أطول وأعجب قصص الأنبياء وأكثرها أحداثا وجدلا ذكرها القرآن في أكثر من سبعين موضع ، أحداث هذه القصة العجيبة تبدأ قبل مولد موسى عليه السلام وتمتد لما بعد وفاته لذلك بمشيئة الله سنتناولها في أكثر من جزء ونبدأ في هذا الجزء بالتعرف على أحوال مصر قبل موسى عليه السلام ! وما هي قصة بني إسرائيل في مصر؟! وكيف نشأ موسى ؟ وما قصة رؤية فرعون؟! وما هي رحلة النجاة ؟! وما هو أعظم مشهد في التاريخ؟!
بنو إسرائيل في مصر :
'' إسرائيل '' هو يعقوب عليه السلام فبعدما جاء يعقوب وأبنائه إلى مصر ليعيشوا مع يوسف بدأت تتكاثر ذرية يعقوب وأبنائه وبدأت أعداد بني إسرائيل في مصر تزداد يوماً بعد يوم يقول الطبري وابن كثير أن عددهم وصل لقرابة ستمائة ألف بعد أن كان عددهم حين دخلوا مصر 86 فقط وبدأ يعلوا شأنهم وترتفع مكانتهم لقرابتهم من يوسف عليه السلام.
وبدأ الإيمان ينتشر في مصر وأصبحت السيادة في مصر في عهد يوسف لبنى إسرائيل وبعد وفاة يوسف عليه السلام تعاقب الحكام على مصر حتى تولى رجلاً اختلفت الروايات في إسمه إلا أن لقبه كان فرعون ، وهذا الرجل كان مجرما طاغية يكره بني إسرائيل كرها شديداً حتى أنه شتت شملهم وعذبهم واستخدمهم عبيد بعد أن كانت لهم الكلمة وفي ذات مرة رأى فرعون رؤية عجيبة ، فقد رأى أن نار تخرج من بيت المقدس تحرق كل مصر ماعدا ديار بني إسرائيل . فأتى بالمنجمين والمفسرين فقالوا له أن تفسير الرؤية باختصار أن السلطة ستؤول لبنى إسرائيل وسيخرج منهم من يقضي عليك وهنا يصدر فرعون قرارا ظالماً بقتل كل من يولد من أطفال بني إسرائيل.
موسى عليه السلام النشأة والبداية :
هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، وصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عنه أنه. آدم البشرة أي شديد السمار يتأتأ في الكلام شديد القوة يفوق قوة عشر أفراد ، ولد موسى في ذلك الوقت الذي أصدر فيه فرعون القرار بقتل أي طفل يولد لبنى إسرائيل فأخفت أمه الخبر وفي ذات مرة كان فرعون يرسل قواته لتهاجم البيوت خشية أن يكون هناك طفل لا يعلمون عنه شئ دخلت هذه القوات بيت أم موسى وكان بيتها على اليم فأصابها الهلع والخوف وإذا بها يأتيها الوحي وهو إلهام من الله وليس وحي كوحي الأنبياء فتضع أم موسى رضيعها في صندوق وتغلقه وتلقيه في اليم فينطلق التابوت في اليم ثم يتوقف في مكان عجيب ، أمام قصر فرعون ..!!
موسى في بيت عدوه :
وجد جنود فرعون التابوت وفي رواية أن من وجدوا التابوت هن خادمات زوجة فرعون المهم أنهم أخذوا الصندوق وفيه الطفل ودخلوا به على فرعون ليذبحه فرعون بيده وهنا تظهر هذه المرأة المؤمنة '' آسيا بنت مزاحم '' زوجة فرعون كانت مؤمنة على دين يوسف عليه السلام وقد تزوجها فرعون رغما عنها فتقول آسيا لفرعون لا تقتل هذا الطفل دعه ليكون قرة عين لي ولك ومع إصرار فرعون على قتله وإلحاح آسيا على تركه يستجيب فرعون ويقول لها خذيه هو قرة عين لكي وليس لي . يقول النبي صلى الله عليه وسلم '' لو قال فرعون قرة عين لي ولكي لهداه الله ''.
وتبدأ حياة موسى في قصر عدوه وتأتي المرحلة الثانية من يطعم هذا الطفل؟! لقد رفض موسى كل المرضعات فتدلهم أخته التي دخلت القصر وكأنها خادمة تدلهم على مرضعة لا يرفضها طفل إنها '' أمه '' فيأتون بها وهم لا يعلمون { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } وهذه قدرة الله الذي يدير هذا الكون بقدرته وقوته .
ويكبر موسى شيئاً فشيئاً وفرعون يحمل له في قلبه كرهاً شديداً وينتظر الوقت المناسب ليقتله حتى جاءت له الفرصة ..!!
موسى ورحلة النجاة :
عندما كبر موسى عليه السلام وبلغ أشده رزقه الله العلم الحكمة والقوة وفي ذات يوم كان يسير في شوارع المدينة فوجد رجلين يقتتلان أحدهم من شيعة موسى '' بني إسرائيل '' والآخر من شيعة فرعون '' المصريين '' فوقف موسى مع من هو من شيعته بعدما استغاث به ووكز المصري دون قصدا منه أن يقتله فقتله وعلم موسى أن هذا من عمل الشيطان فاستغفر ربه وانتشر الخبر في المدينة وهنا تحقق لفرعون ما أراد واجتمع هو وحاشيته وقرروا قتل موسى فجاء رجل ممن علموا بالأمر وأخبر موسى فقرر موسى الخروج من مصر وخرج موسى على حالته دون طعام أو شراب أو دابة يركبها وانطلق مسرعاً حتى وصل إلى صحراء سيناء وظل موسى يسير حتى تقطعت ثيابه ونعله وأخذ يأكل أوراق الشجر حتى وصل إلى الشام على مشارف مدين '' من مصر إلى الأردن '' قطع موسى كل هذه المسافة ماشيا على قدمه لينجو بحياته من القوم الظالمين وعندما وصل إلى مدين بدأت مرحلة جديدة في حياة موسى .
موسى والرجل الصالح :
عندما وصل موسى إلى مدين وجد جمع كبير من الناس يسقون غنمهم وبينهم امرأتين لا يسقيان لعدم استطاعتهم المزاحمة بين الناس فسقى لهما ثم جلس يستريح وعندما عادت البنات إلي أبيهم أخبروه بأمر هذا الشاب فأرسل له يدعوه ليكافئه على ماصنع وعندما جاءه موسى سأله الشيخ عن أمره فحكى له موسى قصته فطمئنه الشيخ '' لا تخف نجوت من القوم الظالمين '' ثم عرض عليه أن يعمل معه ثماني سنوات مقابل أن يتزوج إحدى ابنتيه فوافق موسى وأتمم عشر سنوات في خدمة هذا الشيخ .. وهنا توضيح اختلفت الروايات هل هذا الشيخ هو شعيب النبي الذي ذكرناه بالأمس أم هو أحد الصالحين الذين جاءوا بعد شعيب والأرجح عند أغلب المفسرين أنه ليس شعيب النبي بل هو أحد الصالحين الذين جاءوا من بعده بقرابة ثلاثمائة سنة .
موسى وأعظم مشهد في التاريخ :
بعدما أتم موسى فترته في خدمة الرجل الصالح أخذ زوجته وعاد إلى مصر وهو عائد اشتد عليهم البرد والمطر فرأى نارا بعيدة عند جبل الطور بسيناء فترك زوجته وذهب ليرى ماهذه النار ويأتي بجذوة منها ليتدفئوا بها وما أن وصل موسى إلى النار حتى كانت المعجزة سمع صوت من السماء سمع ربه يناديه في أعظم مشهد حدث على وجه الأرض الله يكلم بشرا ثم بدأ الله يحدث موسى ويعلمه { ياموسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى } وبدأ ربه يريه المعجزات والآيات ثم جاء الأمر والتكليف الرباني لموسى { إذهب إلى فرعون إنه طغى }.
فينطلق موسى عليه السلام متجهاً إلى فرعون يدعوه لتبدأ مرحلة من أشد وأعنف مراحل الصراع بين الحق والباطل .
كان أبو جعفر المنصور يسير في الطريق ذات مرة فقابله رجل وقال له: أيها الخليفة أريد أن انصحك بكلمات ولكنها كلمات فيها غلظة فاصبر علي .. فقال له أبو جعفر: لا عليك إجعل نصيحتك لنفسك فقد أرسل الله من هو أفضل منك '' موسى '' إلى من هو أعصى مني '' فرعون '' فقال له : { قولا له قولا لينا }
نستكمل قصة موسى عليه السلام ونتعرف على هذا الصراع العنيف بين الحق والباطل نتعرف على المهمات التي كلف الله بها موسى !! نعرف ماذا فعل موسى في أول مواجهة له مع فرعون بعد عودته لمصر ؟! وما هي أعظم شفاعة في التاريخ ؟! وما هو التحدي الأول والأقوى بين موسى وفرعون ؟! وفي صف من وقف المصريون ؟! وما هو العذاب الذي أنزله الله على آل فرعون ؟! وكيف خرج موسى ببني إسرائيل من مصر؟! وكيف أهلك الله فرعون وجيشه؟!
المهمات التي كلف الله بها موسى :
بعدما كلم الله موسى عليه السلام على جبل الطور أرسله الله لفرعون وكلفه بمهمتين المهمة الأولى: دعوة فرعون وقومه للإيمان المهمة الثانية أن يأخذ بني إسرائيل وينطلق بهم من مصر إلى فلسطين وهنا يطلب موسى من ربه أن يشد عضده بإخيه هارون لأنه أكثر منه فصاحة وطلاقة فيعطيه الله ذلك ويعطي هارون النبوة مع موسى وهذه أعظم شفاعة في التاريخ أخ يشفع لأخيه فيصير نبيا وانطلق موسى عليه السلام لتنفيذ المهمات المكلف بها ..
المواجهة الأولى مع فرعون :
بعدما عاد موسى إلى مصر واتجه ليقابل فرعون في اللقاء المرتقب بدأ الحوار حيث بدأ موسى يدعو فرعون للإيمان به وترك الكفر ثم طلب منه أن يترك بني إسرائيل ليعودوا إلى فلسطين وهنا كعادة المجرمين والجبابرة يسخر فرعون من موسى ويستهزئ به ويعلن بشكل قاطع رفضه التام لمطالب موسى ويهدده ويتوعده ففرعون يرى نفسه إله لكل المصريين وبني إسرائيل ما هم إلا خدم عنده ولكن موسى يعيد عليه الدعوة مرة أخرى بل يأتي له بالآيات تلو الآيات فيرمي عصا كانت في يده فتتحول العصا ثعبان ثم يخرج يده من جيبه تخرج بيضاء فيهتز فرعون ولكنه يواصل سخريته من موسى ويتهمه بالسحر وأنه عنده من هو أشد سحرا فيتحداه موسى أن يأتي بسحرته ليبين له أنه ليس بساحر بل هو نبي الله فيقبل فرعون التحدي ويأمر بجمع كبار السحرة ويتواعد مع موسى على يوم الزينة أمام أعين الناس
التحدي الأكبر '' يوم الزينة '' :
جمع فرعون كيده وسحرته وجاء موسى وهارون في مشهد عظيم تحدى كبير بين الباطل الذي جمع كل قوته وبين الحق الذي يمثله موسى وهارون وتبدأ المواجهة ويلقي السحرة ما في أيديهم ويأتوا بسحر عظيم فقد تحولت عصيهم إلى ثعابين وحيات فيهتز موسى من المشهد ولكنه يتماسك ثم يلقى عصاه فتتحول إلى حية عظيمة تأكل ما صنعه السحرة وهنا يتحول الأمر وتنقلب الأوضاع على رأس فرعون فالسحرة أدركوا أن موسى ليس بساحر بل هو نبي الله حقا فيعلنوا إيمانهم في مشهد مزلزل وقد اختلفت الروايات في عدد السحرة ولا يوجد نص ثابت عن عددهم الحقيقي . ومايهمنا أن هذا المشهد كان ضربة قاصمة لفرعون وحاشيته.
لذلك اشتد غضب هذا المجرم وأعلن فرعون الحرب على موسى وكل من معه وبدأ بالسحرة هؤلاء الأبطال الذين تحولوا من الكفر إلى الإيمان ومن السحر إلى الشهادة وثبتوا في وجه هذا الطاغية المجرم حتى قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم على جذوع النخل وهم صامدون ثابتون شعارهم :
" فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ''
ويستمر العذاب على بني إسرائيل وعلى الرغم من أن بني إسرائيل قد آمنوا بموسى إلا أن الاعوجاج كان من طباعهم فبعدما أعلن فرعون تعذيبه لهم أخذ موسى يثبتهم فقالوا له ياموسى لقد أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا وموسى يطمئنهم ويثبتهم ويصبرهم وفرعون يسومهم سوء العذاب حتى جاءت لحظة هروبهم وخروجهم من مصر .
مؤمن آل فرعون :
لما ظهر أمر موسى عليه السلام وبدأ يقهر فرعون بحجته القوية اجتمع فرعون وملئه وقرروا قتل موسى وكان من بين الحاضرين رجل مؤمن من المصريين ولكنه كان يكتم إيمانه بدأ هذا الرجل يحاورهم ويجادلهم ليثنيهم عن قرارهم بقتل موسى وبدأ يخوفهم من العذاب حتى أن فرعون بدأ يلين ولكن كبره وغروره جعلوه يمضي في غيه وظلمه لموسى ومن معه ومحاولة قتله .
آيات موسى وعذاب آل فرعون :
لم يؤمن مع موسى من المصريين إلا القليل أما الغالبية العظمى فقد ساروا في ركب فرعون وأطاعوه وعصوا نبي الله كما قال تعالى : {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين}
يقول صاحب الظلال رحمه الله لولا أنهم فاسقين ما سلط الله عليهم من يستخف بعقولهم ، ونتيجة تكذيب أتباع فرعون من المصريين لموسى أرسل الله عليهم أنواعا من العذاب :
النوع الأول: '' السنين '' القحط الشديد وتوقف المطر
النوع الثاني: " نقص مياه النيل " فاصابهم الجدب
النوع الثالث: "نقص الثمار" ، الأشجار لا تخرج ثمارا
النوع الرابع: "الطوفان" غرقت كل بيوتهم عدا بيوت بني إسرائيل
النوع الخامس: "الضفادع" ، وجدوا الضفادع في كل شئ
النوع السادس : "الجراد" هاجم بيوتهم وأراضيهم
النوع السابع : القمل أكل رؤوسهم
كل هذه الأصناف من العذاب أرسلها الله على كل من كذب بموسى من المصريين وكانوا بعد كل عذاب يتهمون موسى أنه السبب ثم يأتون إليه ليدعوا الله أن يرفع عنهم العذاب مقابل أن يؤمنوا به ويسمحوا لبنى إسرائيل بالخروج معه وبعدما يرفع الله عنهم العذاب ينكثوا عهدهم ويعودوا لكفرهم حتى سلط الله عليهم النوع الأخير من العذاب وهو أشدهم ( الدم ) كانو إذا أكلوا تحول الأكل لدم وإذا شربوا تحول الشراب لدم امتلئت حياتهم كلها بالدم وهنا يأتي فرعون بنفسه ويطلب من موسى أن يرفع هذ العذاب عن المصريين مقابل السماح بخروج بني إسرائيل معه.
خروج بني إسرائيل وهلاك فرعون :
بعدما سمح فرعون لموسى أن يأخذ بني إسرائيل معه جاء التكليف الرباني لموسى بالخروج ببني إسرائيل ليلا قبل أن ينكث فرعون عهده وبالفعل تحرك موسى ببني إسرائيل وكان عددهم ستمائة ألف وفي الصباح نكث فرعون عهده وقرر أن يمنع بني اسرائيل من الخروج ويعيدهم عبيدا له مرة أخرى فجمع جيشا ضخما من كل أنحاء مصر وانطلق ليلحق ببني إسرائيل قبل أن يغادروا مصر وبالفعل ما أن وصل موسى وقومه إلى خليج السويس غرب سيناء حتى فوجئ بفرعون خلفه ومعه جيشه الجرار وهنا يملء الرعب قلوب بني اسرائيل ويصرخوا في موسى ياموسى إنا لمدركون وهنا يرد عليهم موسى رد الواثق الموقن بربه '' كلا إن معي ربي سيهدين'' ، فيأتيه الأمر من السماء إضراب بعصاك البحر فضرب موسى البحر فانفلق وعبر موسى ومن معه ثم أتى فرعون ليعبر وإذا بالبحر ينطبق عليه وعلى جنوده وعندما أدرك فرعون أنه هالك أعلن إيمانه بإله بني إسرائيل ولكن الأمر قد قضى وجاء الرد من السماء:
{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون }
انتهى صراع موسى مع فرعون بانتصار الحق وهلاك فرعون..
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
موسى وعجائب بني إسرائيل :
قرأت عن شعوب كثيرة مارأيت في حياتي أعجب وأشقى من بني إسرائيل قوم يقف العقل أمامهم حائراً هل هناك بشر بهذا الشكل سترون ذلك بأنفسكم في هذا الجزء الذي سنعرف فيه
ما الذي فعله بنو إسرائيل بعد عبورهم خليج السويس ونجاتهم من فرعون ؟! ما الذي حدث في اللقاء الثاني بين موسى وربه ؟! وماذا فعل بني إسرائيل بعد ذهاب موسى لتكليم ربه؟! وماقصة السبعين رجل؟! ولماذا سمي بني إسرائيل باليهود؟! وماقصة التيه العجيبة؟!
مابعد العبور والإنحراف الأول :
بعدما نجى الله موسى وبني إسرائيل بمعجزة عظيمة حيث انفلق البحر لموسى وقومه فعبروا ثم انطبق على على فرعون ومن معه انطلق موسى ببني إسرائيل في سيناء متجهاً لبيت المقدس وهم في الطريق رأي بنو إسرائيل أناس يعبدون الأصنام وإذا بهم بعدما أراهم الله عشر معجزات بدأت بالعصا واليد البيضاء وانتهت بإغراق فرعون أمام أعينهم بعد كل هذا يطلبون من موسى أن يصنع لهم صنما ليعبدوه كما يفعل هؤلاء فيتعجب موسى وينهاهم عن هذا الكفر ثم يكمل بهم المسير .
اللقاء الثاني بين موسى وربه:
أثناء سير موسى بقومه جاءه التكليف الرباني بأن يتجه هو وقومه إلى جبل الطور ليتلقي التوراة والتعاليم التي سيتبعونها وهنا يستعجل موسى لقاء ربه فيسبق بني إسرائيل ويأمرهم أن يلحقوا به وما أن سبق حتى تكاسل بني إسرائيل وتوقفوا عن السير وقرروا أن ينتظروا مكانهم حتى يعود إليهم موسى ..
ذهب موسى والتقى بربه وكلمه ربه للمرة الثانية وأعطاه الألواح ألواح من حجارة عليها تعاليم لبنى إسرائيل '' التوراة '' وظل موسى أربعين يوماً وقد طلب موسى من ربه أن يتجلى له لينظر إليه فكان رد ربه لن تحتمل رؤيتي ياموسى ولكن انظر للجبل وانظر ماذا سيحدث له وعندما تجلى نور الله للجبل دك الجبل ونسف فصعق موسى من المشهد .. وبعد أن انتهى اللقاء الذي استمر أربعين يوماً عاد موسى لقومه ليجد مصيبة جديدة
ماذا فعل بنو إسرائيل في غياب موسى :
عندما خرج بني إسرائيل من مصر كان معهم ذهب هذا الذهب كانوا قد استعاروه من المصريين وخرجوا به قبل أن يردوه فأمرهم هارون أن يلقوا هذا الذهب لأنه ليس من حقهم وبعد أن ألقوا الذهب جاء رجل منهم يسمى السامري وأخذ الذهب وصنع منه عجل له خوار أي يصدر صوتا كلما دخل الهواء من فتحات صنعها له وما أن رأى بني إسرائيل العجل حتى انبهروا به وقالوا هذا إلهنا وبدأوا يعبدون العجل وهارون يحاول منعهم ولكنهم هددوه بالقتل إن لم يتوقف عن نهيهم وعندما عاد موسى ورأى المشهد اشتد غضبه وألقى الالواح من شدة غضبه ثم عنف أخيه وبدأ يوبخ بني إسرائيل ثم توعد السامري '' إن لك فيها أن تقول لامساس '' ودعا عليه فأصابه مرض خطير كما ذكر بن كثير جعل الجميع ينفر منه ولا يلمسونه فعاش معزولا وحيداً حتى مات ثم انطلق موسى نحو العجل والغضب يملئه ثم ألقاه في النار ثم نسفه والقاه في البحر وبعد نسفه للعجل بدأ العقاب فأصدر موسى القرار على بني إسرائيل بأن يقتلوا أنفسهم أي أن من لم يعبدوا العجل يقتلوا من عبدوه ، ثم نزلت توبة الله عليهم فعفى عنهم وهدأ موسى عليه السلام وأخذ الألواح ووقف يخطب في بني إسرائيل ويقول لهم هذه تعاليم الله لكم فآمنوا بها وهنا يأتي الرد الصادم من هؤلاء الأشقياء فيقولون ياموسى لن نؤمن بها حتى نطلع عليها فإذا كانت سهلة نفذناها وإذا لم تكن كما نريد تركناها وهنا يتدخل الله عز وجل ويأمر الملائكة أن ترفع الجبل '' وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة '' فيرتفع ليظلهم ثم يهددهم موسى إن لم تؤمنوا لينزلنا هذا الجبل فوق رؤوسكم فيسحقكم وهنا يؤمنوا بها بعد جدال كبير تقول بعض الروايات أنهم سجدوا وأثناء سجودهم كانوا ينظرون للجبل منتظرين أن ينزاح ليرتدوا من جديد ، ثم يبدأ موسى عليه السلام رحلة جديدة
قصة السبعين رجلاً واللقاء الثالث :
اختار موسى من بين بني إسرائيل سبعين رجلاً هؤلاء هم صفوة بني إسرائيل فأخذهم موسى وذهب بهم للقاء ربه ليستغفرونه وعندما وصلوا وصعدوا على الجبل ارتج الجبل من غضب الله فبدأوا يستغفرون الله وبدأوا يستغفروا لقومهم وهم يقولون إنا هدنا أي تبنا وعدنا ولذلك سمو بيهودا كما ذكر بن مسعود رحمه الله أنهم سموا باليهود لأنهم استغفروا ربهم بقولهم '' إنا هودنا '' فاستقر الجبل وبدأ موسى يكلم ربه وإذا بهؤلاء السبعين " الصفوة '' تخيلوا هذا حال أفضل من فيهم يقولون لموسى بعد أن رأوا كل هذه المعجزات لن نؤمن لك إيمان كامل حتى نرى الله جهرة . فغضب الله عليهم وأنزل عليهم الصاعقة فماتوا جميعاً ولكن موسى بدأ يتذلل لربه ليحييهم مرة أخرى فهؤلاء هم أفضل من في بني إسرائيل فأحياهم الله من جديد وعاد موسى ومن معه إلى بني إسرائيل واستكمل بهم المسير وأثناء سيرهم نفذ طعامهم وشرابهم فأرسل الله عليهم غمامة من السماء تظلهم وأنزل عليهم المن وهو سائل كالعسل جميل الطعم والرائحة وأنزل عليهم أيضاً السلوى وهي نوع من أنواع الطيور كالسمان لذيذة الطعم ثم ضرب لهم موسى الأرض ففجر لهم إثنتي عشرة عينا علي عدد قبائل بني إسرائيل لتشرب كل قبيلة من عين وعلى الرغم من أن الله أنزل عليهم أشهى الطعام إلا أنه لم يعجبهم وذهبوا لموسى ليدعو لهم الله أن ينبت لهم الفول والبصل والثوم والعدس فكان رد موسى عليهم : '' اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ''
ثم جاء التكليف الجديد لموسى .
التيه والضياع :
أرسل الله إلى موسى أن يأخذ بني إسرائيل ويدخل بهم الأرض المقدسة ليحاربوا هؤلاء الجبارين الذين يعيشون فيها ويبدأ موسى في تنفيذ تكليف ربه وأمر بني إسرائيل أن يتجهوا نحو بيت المقدس ليدخلوه ويحاربوا من فيه وهنا يأتي الرد الجاحد : '' قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ''
وفي هذه اللحظة يبدأ إنتقام الله من بني إسرائيل فيكتب الله على هؤلاء القوم التيه حتى ينتهي هذا الجيل المجرم الذي تربى على الذل والخنوع والإعوجاج ويتيهون بني إسرائيل في سيناء فكانوا كلما سلكوا طريق عادوا إلى المكان الذي كانوا فيه ظلوا على ذلك أربعين سنة حتى هلك هذا وظهر جيل جديد.
بعد رحلة طويلة مع هذا النبي الكريم نختم قصته بهذا الجزء والذي نتحدث فيه عن أهم الشخصيات والأحداث التي حدثت في فترة التيه ! نعرف من هو قارون وهامان ؟ وما قصة البقرة ؟! وماحكاية الرجل الصالح ؟! وكيف كانت وفاة هارون وموسى ..!!
قارون وهامان :
ذكر القرآن قصة قارون دون أن يحدد هل كانت قصته قبل التيه أم أثنائه وقارون كان من بني إسرائيل وقد أجمع أغلب المفسرين إنه إبن عم موسى عليه السلام وقد أعطاه الله أموالا وكنوز لا يتخيلها عقل بشر حتى أن مفاتيح كنوز قارون كان يحملها عشرات الرجال فما بالكم بالكنوز نفسها وبدلاً من أن يشكر قارون ربه زاد في كفره وطغيانه وادعى أن هذه الأموال من نفسه ومن علمه وبدأ يتجبر ويتكبر ويفتن الناس في دينهم حتى افتتن به الكثيرين وتمنوا أن يكونوا مكانه وهنا تتدخل قدرة الله لتسلب النعمة من هذا المجرم وتعاقبه على عصيانه وتجبره { فخسفنا به وبداره الأرض }
في لحظة زال كل هذا النعيم وخسفت املاكه وكنوزه وسوي بالأرض
أما هامان :
فتعتبر قصته من معجزات القرآن فقد ذكر إسمه في القرآن ولم يذكر في التوراة وهذا ما جعل أعداء الإسلام يطعنون في القرآن فكيف يذكر القرآن شخص ليس موجود فلو كان هناك رجل بهذا الإسم لذكره التوراة
ولكن العالم الفرنسي موريس بوكاي صاحب كتاب '' الإنجيل والتوراة والقرآن الكريم '' أعد بحثاً عن هذا الأمر وبدأ يبحث عن معنى هذا الإسم في الكتابات الهيروغليفية فوجد أن هناك كلمة هيروغليفبة تعني بالعربية '' هامان '' أي كبير البنائين وهذا يعني أن القرآن ذكر الإسم مترجما للعربية وهذا من روعة القرآن فقد ذكر القرآن هذا الإسم قبل فك رموز الكتابة الهيروغليفية بأكثر من ألف عام
ذبح البقرة :
اختلفت الروايات في قصة البقرة فالرويات كلها متشابهة مع اختلافات بسيطة وهذه أكثر الروايات إجماعا :
استيقظ بني إسرائيل ذات يوم فوجدوا رجل من أغنى رجالهم مقتولا فأرادوا أن يعرفوا القاتل فذهبوا لموسى ليخبرهم بالقاتل فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فجادلوا ورفضوا في بادئ الأمر وقالوا اتهزؤ بنا ولكنهم استجابوا ثم جاءوا يسألونه عن لونها فقال لهم صفراء وهكذا ظلوا يسألوا ويجادلوا حتى شق الله عليهم ببقرة لها صفات معينة ليست موجودة عند أحد غير طفل يتيم فذهبوا له فوافق مقابل وزنها ذهبا ثم ذبحوها وأخذوا جلدها وضربوا به الميت فأحياه الله فأشار إلى قاتله وكان إبن أخيه .
الرجل الصالح :
خطب موسى في بني إسرائيل خطبة عظيمة فقال أحدهم يا موسى هل هناك أحد أعلم منك فأجاب موسى لا فعاتبه ربه وأراد أن يعلمه أن العلم كله عند الله فأمره أن يذهب لمقابلة رجل صالح عند مفرق بحرين اختلفت الروايات في هذا المكان وهذا لا يعنينا كثيراً وأعطى الله علامة لموسى أن مكان الرجل الصالح في المكان الذي سيفقد فيه موسى حوته وذهب موسى ومعه غلامه ومعهما حوتا ليأكلوه فنسي الغلام الحوت في مكان ما فعاد موسى للمكان فوجد الرجل الصالح كما أشارت الأحاديث كان إسمه الخضر ..
وبدأ موسى مع الخضر رحلة العلم وبدأت الأحداث التي ذكرها الله في سورة الكهف حيث رفض الخضر أن يصحب موسى معه فألح عليه موسى فوافق بشرط أن لا يستعجل فقبل موسى ولكنه لم يصبر على مارأي فسأله لماذا خرق السفينة ولماذا قتل الغلام ولماذا لم يأخذ أجر على الحائط الذين أقامه وبعد أن أجاب الخضر موسى أدرك موسى أنه أخطأ عندما ادعى كمال العلم لنفسه فاستغفر ربه ثم عاد لقومه ..
وفاة هارون وموسى :
ظل بني إسرائيل في التيه أربعين سنة وكان معهم موسى وهارون وقد قبض الله هارون أولاً ، ثم مات بعد ذلك موسى عليه السلام ففي الحديث الشريف في صحيح البخاري
'' حدثنا يحيى بن موسى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : " أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام ، فلما جاءه صكه ، فرجع إلى ربه ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة ، قال : أي رب ، ثم ماذا ؟ قال : ثم الموت ، قال : فالآن ، قال : فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر ، قال أبو هريرة : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت ثم لأريتكم قبره ، إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر "
مات موسى عليه السلام وقد اختلفت الروايات وكثرت الإسرائيليات حول وفاته لذلك فضلت أن اكتفي بذكر الثابت في وفاته وهو حديث البخاري.
=======================================
المصدر:
- البداية والنهاية لإبن كثير
- الكامل في التاريخ لإبن الأثير