ظهرت اليهودية القرائية في القرن التاسع الميلادي على يد الحاخام عنان بن داوود الذي أعلن انشقاقه على اليهودية التقليدية الحاخامية و نشأت اليهودية القرائية في بيئة «صراع ديني» سواء «داخلي» بين الفرق الدينية اليهودية وبعضها البعض، أو صراع «خارجي»، تمثل في وجود صراع أو جدل ديني بين اليهودية والإسلام.
إذ كان الإسلام الدين الأكثر قوة وانتشارًا في فترة ظهور القرّائية فنشأت هذه الفرقة على نسق إسلامي بحت متأثرة بالفكر الديني الإسلامي على مستوى العقائد والتشريعات، وحتى على مستوى ممارسة الطقوس، لدرجة وصفها الباحثون بأنها «يهودية على قوام إسلامي»، في حين اعتبرها حاخامات اليهود قديمًا وحديثًا فرقةً إسلاميةً انتحلت صفة اليهودية، وأخرجوها من ملل اليهود واعتبروا معتنقيها خوارج.
وكان من ضمن أسباب تأثر اليهودية القرائية بشدة بالإسلام ، هو نظرتهم الإيجابية وموقفهم الجيد أحيانًا من الإسلام ؛ إذ يرون أن نظرة الإسلام إلى الله هي أقرب إلى اليهودية منها إلى النصرانية، ويعدون الإسلام أصفى وحدانية من النصرانية، إضافة إلى أن القرائية نشأت في بيئة ثقافية إسلامية مزدهرة فكريًا ودينيًا اتسمت بالتسامح الكبير تجاه أتباع الديانات الأخرى؛ الأمر الذي أعطى فرصة لليهود وغيرهم للتأثر بالثقافة الإسلامية.
وقد وصل تأثير الاسلام على القرائين إلى حد التأثير على عقيدتهم وتحول الكثير منهم إلى الإسلام، مثلما ذكر صموئيل (السموأل) بن يحيى المغربي، وهو أحد كبار الحاخامات اليهود الذين أعلنوا إسلامهم؛ إذ قال، إن أكثر القرائين خرج إلى دين الإسلام ولم يبق منهم إلا نفر يسير لأنهم أقرب للاستعداد لقبول الإسلام من اليهود التلموديين.
جاء موقف اليهودية القرّائيّة الرافض للصهيونيّة متسقًا مع موقف بقيّة الطوائف والفرق اليهودية التى قطنت العالمين العربي والإسلامي الرافضين للحركة الصهيونية، كونهم عاشوا في محيط إسلامي متسامح مع اندماج فيه إلى حد كبير، وهو معاكس لما عاناه يهود أوروبا في حينه ، لذلك فإن القرائين عبروا صراحة عن رفضهم للصهيونية التي رأوا أنها تعطى فرصة للحاخامات الأرثوذكس للسيطرة على اليهودية ، وكان الصهيوني حاييم وايزمان يحاول إقناع القرائين بالانضمام للصهيونية والهجرة إلى إسرائيل لكنه لم يفلح .
و مع ذلك ، فعند قيام إسرائيل هاجر إليها كثير من القرائين بسبب أن الدعاية الصهيونية والسياسية التي انتهجتها بعض الحكومات القومية العربية والمبنية على عدم إدراك الاختلافات بين اليهود التلموديين واليهود القرّائين جعلت معظم القرائين يهاجرون من البلاد العربية إلى الكيان الصهيوني او الى الدول الغربية .