بقي حكم الإسلام في الأندلس ثمانية قرون ، تغترف فيها أوربا من حضارة الإسلام وتتلمذ على أساتذته ، ثم ضاعت الأندلس ، ضاع فردوس الدنيا وبكى المسلمون على الأندلس .
كما بكوا من بعدها على أرض بخارى والقرم والقوقاز .
كما بكوا ضياع الخلافة الإسلامية في تركيا ، كما بكوا ضياع مهبط الأديان في فلسطين ، وبكوا معها القدس والمسجد الأقصى .
نحن هنا ليس للتباكي على الأندلس واعتبارها ماضياً ، بل لدراسة الأندلس باعتبارها حاضرًا سليبًا يُذكّر المسلمين مجدهم ، ويذكرهم الجهاد لاستعادة فردوسهم المفقود مع استعادة فلسطين والأقصى واستعادة مثوى البخاري ومسلم وغيرهم من علماء المسلمين .
إن تشخيص الداء لازم لسلامة الدواء وسلامة الاستشفاء .. فنأخذ من الضياع كيف نتوقى الضياع وكيف نسترد ما ضاع .
والأندلس ضاعت يوم ضاع الإسلام في قلوب أبنائها ، ففسد الأمراء ، وسكت العلماء ، وفسد من بعد هؤلاء وأولئك بقية الناس ، ودَبَّ الترف وسرى في عروق الحاكمين وامتدَّ من الحاكمين إلى من يليهم من الطبقات ، ومع الترف يكون الفسق ويكون الفجور .
وظهر من الحكام من يجهر بالمعاصي وكان مما صاحب الترف وزكاه على مستوى الجماهير .
غزوٌ فكري حمله المبشرون قبل غزو السلاح ، وكان هذا هو عامل الانهيار الأول :
الانهيار داخل النفس وأعقبه انهيار آخر ، انهيار داخل الصف بما أصاب المسلمين من خلاف وشقاق ، كان سببه الاقتتال على الجاه والمنصب وبدأ أوّل ما بدأ في صفوف الأمراء والحاكمين وامتدَّت عصبية مقيتة كريهة بين صفوف الفاتحين من قحطانيين وعدنانيين ومن عرب وبربر ، تفجَّرت القوميات والعصبيات تُقسم الصف وتفتته وتطمع عدو الله وعدوه ، برغم أن الإسلام أتى ليقضي على هذه التعصبات الطبقية والتفرقة بين الجنس واللون .
عرفت الأندلس الثورات ، وعرفت الحروب الداخلية ، ومن الأسف كان يستعان فيها بالنصارى ضد المسلمين ، فيضعف الأخيرون ويتقوَّى الأولون ، يقفون متربصين انهيار الدولة الإسلامية .
ويأتي العامل الثالث والأخير ليجهز على ما بقي ، تأتي حشود النصارى لتجهز على ما بقي من قوة المسلمين ، وتدور المعارك ويرتفع علم الصليبيين ، ويذوق المسلمون الإبادة والنفي والهوان ، حتى تستأصَل شأفتهم في فردوسهم المفقود .
فهل لنا من عودة ..؟؟
عودة الإيمان ..!!