أين كان العثمانيون عندما سقطت دولة الإسلام في الأندلس؟! ولماذا لم ينتفضوا لحماية أعظم حضارة إسلامية قامت في أوروبا؟! وهل خان العثمانيون إخوانهم الأندلسيين؟
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن عند الحديث عن سقوط الأندلس ودور الخلافة العثمانية تجاه تلك الأحداث.
ونحن في هذا المقال نجيب عن هذه الأسئلة ونضع أمامكم الحقائق التي تم إخفاؤها عن عمد لتظهر الدولة العثمانية كدولة خائنة باعت الأندلس وتركتها فريسة في يد النصارى.
• - الأندلس والدولة العثمانية:
لكي تتضح لنا الأمور جيدا لابد أن نفهم طبيعة الدولتين وأحوالهما في ذلك الوقت، ففي الوقت الذي كانت دولة بني عثمان تشق طريقها لتعلن عن نفسها وترفع الراية بعدما كادت أن تسقط في أواخر الحكم العباسي مع بدايات القرن الخامس عشر الميلادي،
كانت دولة الأندلس في الغرب تسير نحو الانهيار حيث الصراع على الحكم بين ملوك الطوائف وانتشار الفتن واستعانة بعض ملوك المسلمين بالنصارى ضد إخوانهم وبدأت ممالك الإسلام تسقط واحدة تلو الأخرى.
وبالتالي كان المشهد في العالم الإسلامي على هذا النحو:
دولة فتيّة تبدأ مجدها وتحارب على عدة محاور لإثبات نفسها وتخوض معارك طاحنة ضد أوروبا في الغرب والدولة الصفوية الشيعية في الشرق.
ودولة أخرى يقفل نجمها في الأندلس ويتصارع ملوكها وتنهار ممالكها في يد النصارى واحدة تلو الأخرى .
• - هل بالفعل تخلّت الدولة العثمانية عن الأندلس:
تعمّد أصحاب القلوب المريضة والأقلام الخبيثة توجيه الاتهامات الباطلة للدولة العثمانية بأنها تخلّت عن الأندلس ولم تتحرك لنجدتها، وقد انساق وراءهم جمع كبير من عامة المسلمين للأسف الشديد. والحقيقة أن هذا الكلام محض كذب وافتراء، فالدولة العثمانية بذلت الكثير من المحاولات لنجدة الأندلس.
فما أن وصلت الاستغاثات للسلطان محمد الفاتح الذي كان منشغلا بفتح أعظم مدن أوروبا في ذلك الوقت ”القسطنطينية” حتى هبّ الفاتح لنجدة الأندلسيين فهجم على إيطاليا وسيطر على مدينة لاترانتوا محاولا الوصول للأندلس ولكن وقفت أمامه عدة عقبات منعته من استكمال المسير.
• - بايزيد الثاني:
بعد الفاتح تولى ابنه بايزيد الحكم، وأثناء حكم بايزيد وقعت الكارثة بسقوط الأندلس وتسليم أبي عبدالله الأحمر مفاتيح غرناطة للنصارى سنة ١٤٩٢م وقد توالت صرخات الأندلسيين واستغاثاتهم بالعثمانيين وعلى الرغم من أن بايزيد الثاني كان مستهلكا في حروب طاحنة مع قوى مختلفة: الأوروبيون والصفويون، والشيعة والمماليك، إلا أنه لم يكن له أن يرد هذه الاستغاثات فأرسل أسطولا ضخما بقيادة “كمال رئيس” لضرب سواحل إسبانيا ومحاولة دخول الأندلس، وقد حاول كمال رئيس الوصول لغرناطة إلا أن الموانع الأوروبية والخيانات التي حدثت من بعض القوى الإسلامية ورفض المماليك والأسرة الحفصية في تونس تقديم يد العون له، كل ذلك وقف عائقا أمام وصول الأسطول العثماني للأندلس وإنقاذها قبل فوات الأوان.
• - سليم الأول:
لم تتوقف محاولات العثمانيين لإنقاذ الأندلسيين بل استمرت حتى بعد سقوط الأندلس. فقد سعى العثمانيون لإنقاذ إخوانهم الموريسكيين في الأندلس فبعد أن تولى سليم الأول الحكم أرسل إلى قائد الأسطول الإسلامي عروج وكلّفه بمهمة عرفت في التاريخ بالمهمة المستحيلة وكانت تقوم على مهاجمة سواحل إسبانيا والسيطرة عليها وإنقاذ مسلمي الأندلس من محاكم التفتيش والعودة بهم للجزائر وقد استطاع عروج تنفيذ الخطة بنجاح وإنقاذ عشرات الآلاف من المورسيكيين.
• - سليمان القانوني:
عندما تولى سليمان العاشر أعظم سلاطين الدولة العثمانية الحكم انتفض هو أيضا لمحاولة إنقاذ الموريسكيين فجهّز جيشا قوامه مائتي ألف وحاول الوصول للأندلس عن طريق فيينا، ولكنه لم يكمل المسير بسبب مهاجمة الصفويين الشيعة لعاصمة الخلافة العثمانية.
كما أرسل سليمان ثمانين سفينة وثمانية آلاف مقاتل من الانكشارية إلى قائد أسطوله خير الدين بربروسا وأمره بمهاجمة الأندلس وإنقاذ المسلمين هناك.
وقد فتحت الدولة العثمانية أبوابها أمام الأندلسيين الفارين من بلادهم فاستقبل العثمانيون قرابة نصف مليون أندلسي مسلمين وغير مسلمين.
هذه كانت إطلالة سريعة على بعض محاولات العثمانيين لإنقاذ الأندلس، لكن يظل هناك سؤال أخير يتردد: لماذا لم تكلل كل هذه المحاولات بالنجاح؟!
الحقيقة أن الأمر لم يكن بهذه السهولة التي يتخيلها البعض، فالأمر كان شديد التعقيد وقد تعددت العوامل التي منعت العثمانيين من إنقاذ الأندلس ومن أهم هذه العوامل:
• - الطبيعة الجغرافية:
حيث تبعد المسافة بشكل كبير جدا بين غرناطة والقسطنطينية وهذا جعل وصول الجيش العثماني للأندلس وعبوره كل هذه الحواجز أمرا يشبه المستحيل إضافة إلى التحالف الصليبي الأوروبي ضد العثمانيين وإغلاق الإسبان لمضيق جبل طارق.
• - العوامل العسكرية والسياسية:
لم تتوقف الدولة العثمانية منذ قيامها على يد مؤسسها عثمان بن أرطغرل عن الجهاد في سبيل الله وكانت تقاتل على عدة محاور في وقت واحد حيث اشتبكت مع أوروبا في الغرب والصفويين والمماليك في الشرق وهذا بالطبع كان له أثر كبير في انشغال العثمانيين عن الأندلس رغما عنهم.
• - الدولة الصفوية الشيعية:
كانت الدولة الصفوية الشيعية في إيران بمثابة خنجر في ظهر الدولة العثمانية فالعديد من المحاولات كادت أن تنجح لولا غدر الصفويين وطعنهم للعثمانيين من الخلف ومهاجمة عاصمتهم.
هكذا وقفت العديد العوامل حائلا دون إنقاذ العثمانيين للأندلس ولذلك فمن الظلم أن نتجاهل كل ذلك وننسى كل هذه المحاولات ونتهم العثمانيين بأنهم فرطوا بالأندلس.