"ما رأينا مثل هذا الشئ الخارق في حياتنا .. محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار والسفن تسير فوق قمم الجبال أي قدرة عسكرية هذه ، الإسكندر الأكبر الذي حكم العالم لم يستطع أن يفعل ذلك" ... (هكذا قال مؤرخي النصارى).
ماذا فعل الفاتح ليذهل عقول أوروبا ؟! وكيف تم الفتح العظيم ؟ وما هي المحاولات الجبارة التي بذلها جيش الأنكشارية؟ وما الخطة الأسطورية التي كانت سببا في الفتح؟!
الطريق إلى القسطنطينية :
مدينة القسطنطينية تعتبر من أحصن وأهم مدن العالم تحيط بها المياه من ثلاث جهات '' بحر مرمرة ومضيق البسفور والقرن الذهبي '' والجهة الرابعة كانت بر وكانت محصنة بعدة أسوار متتالية يبلغ ارتفاع السور مابين 40 إلى 60 قدم ولذلك ونظراً لهذه التحصينات الشديدة أعد محمد الفاتح لفتح هذه المدينة أعداداً جيداً، وأخذ بكل أسباب القوة والعزة فصنع المدافع العملاقة وأمر بجرها من مدينة أدرنة إلى القسطنطينية واستغرق هذا العمل شهرين متتاليان ، كما جهز الأسطول وأمده بكل عوامل القوة وأعاد ترتيب جيشه وقسمه إلى كراديس.
وفي ٢٦ من ربيع الأول ٨٥٧ ھ 6 من إبريل ١٤٥٣م تم فرض الحصار التام على المدينة استعدادا لأقتحامها ولكن المدينة كانت أعظم مدن العالم تحصينا في ذلك الوقت مما جعل العثمانيون يبذلون جهوداً أسطورية لفتحها .
همم جبارة وخطط خارقة :
بعد أن أتم الحصار أعطى السلطان الفاتح شارة البدء فهجمت القوات العثمانية هجوماً عنيفاً على اسوار القسطنطينية وبدأت المدافع تصوب قذائفها نحو أسوار المدينة وعلى الجانب الآخر استمات البيزنطيون في الدفاع عن المدينة وبدأت سلسلة معارك شرسة على أسوار هذه المدينة المنيعة وكان الأمر شديد الصعوبة على جيش الدولة العثمانية لذلك بدأ الفاتح يستخدم عبقريته العسكرية الفذة.
حفر الخنادق :
أمر السلطان بحفر الخنادق من المكان الذي يعسكر فيه الجيش العثماني إلى داخل المدينة وبالفعل حفرت الخنادق حتى وصلت إلى داخل المدينة وكان سكان المدينة يسمعون الأصوات تحت أقدامهم فيزدادوا رعبا وهلعا ويقولون إن الأرض ستنشق وسيخرج منها العثمانيون كالاشباح وكان الجيش العثماني أول من استخدم الأنفاق في الحروب وعلى الرغم من براعة هذه الخطة إلا أن البيزنطيون استطاعوا أن يتصدوا لهذا الأمر، فلم ييأس السلطان ووضع خطة جديدة.
القلعة الخشبية :
أمر الفاتح ببناء قلعة خشبية متحركة ضخمة بلغ ارتفاعها أكثر من ثلاثة أدوار لتكون أكثر ارتفاعا من أسوار القسطنطينية وبالفعل أنشأت القلعة واعتلاها عدد كبير من الرماة وتم جرها نحو أسوار القسطنطينية.
وبدأ الرماة يمطرون المدينة بوابل من السهام فاهتزت القوات البيزنطية المدافعة عن المدينة وتراجعت للخلف واخذوا يقذفون القلعة بالنيران حتى احترقت القلعة .
فلم ييأس السلطان وقال: "غداً نشيد بدلاً منها اربعا " ، ثم فكر في فكرة جديدة هي الأبرع في تاريخ الحروب العسكرية على الإطلاق في وقتها ...!!!
السفن البرية :
على الرغم من الشجاعة غير العادية للعثمانيين والهجوم الرهيب الذي شنوه على المدينة إلا أن التحصينات كانت أكبر من أي هجوم ولم يكن هناك غير مكان واحد فقط هو الذي يمكن اختراق المدينة منه وهو منطقة ماوراء القرن الذهبي لذلك أمر السلطان اسطوله بالهجوم على المدينة عبر مضيق القرن الذهبي، ولكن الأسطول لم يستطع فعل ذلك لان البيزنطيين وضعوا سلاسل ضخمة في المضيق تمنع سفن العثمانيين من العبور .
وهنا يفكر السلطان في فكرة عجيبة لم تحدث في تاريخ الحروب العسكرية من قبل وكانت الفكرة تقوم على نقل السفن عبر البر ..!!! .
حيث أمر جنوده بأن يأتوا له باخشاب ضخمة ثم دهن هذه الأخشاب بالزيت والشحم وأمر بوضعها على الجبال والتلال الممتدة بجوار المضيق ثم أمر بجر السفن على الأخشاب فوق التلال والجبال وبالفعل تم نقل أكثر من سبعين سفينة على طول ثلاثة أميال في مشهد يذهل العقول ... سفن تتحرك فوق الجبال وكأن الجبال أمواج ، واستيقظ أهل القسطنطينية ليجدوا أبطال العثمانيين أمامهم وجها لوجه .
النصر والفتح المبين :
فًي الساعة الواحدة من صباح يوم الثلاثاء ٢٠ جمادى الأولى ٨٥٧ھ ٢٩مايو ١٤٥٣م أصدر السلطانأ وامره لكل الفرق العسكرية بالهجوم في وقت واحد برا وبحرا وقاد السلطان الهجوم بنفسه وظل هجوم الجيش العثماني تصحبه قذائف المدافع التي انفجر بعضها من شدة استخدامها وقبل أن ينتهي اليوم تحطمت أسوار القسطنطينية أمام هذا الهجوم الكاسح واستسلم جيش الدولة البيزنطية ودخل الفاتح بجيشه القسطنطينية ساجدا باكياً شاكراً لله على نصره .
ثم التفت إلى جنده قائلاً لهم :
"هنيئاً لكم بشارة نبيكم ، أحسنوا إلى أهل المدينة أعطوا للناس حريتهم ، وحافظوا على أموالهم ، ولا تعتدوا على أحداً".
هكذا فتحت القسطنطينية كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم وكان فتحها النهاية الأبدية للإمبراطورية الرومانية التي حكمت العالم عشرات القرون واذاقته الويلات .
المقال القادم بإذن الله دور العلماء في الفتح وقصص وحكايات على أسوار القسطنطينية ووفاة السلطان الفاتح قاهر الروم.
======================================
المصادر :
1- العُثمانيون في التاريخ والحضارة، محمد حرب.
2- تاريخ العُثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، محمد سهيل طقوش.
3- تاريخ الدولة العثمانية (النشأة – الازدهار) وفق المصادر العثمانية المعاصرة والدراسات التركية الحديثة، سيد محمد السيد محمود.
4- تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الذهبي، أحمد فؤاد متولي.
5- تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، خليل إينالجيك.
6- الدولة العثمانية المجهولة، أحمد آق گوندوز وسعيد أوزتورك.
7- تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا.
8- الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، مجموعة من المؤرخين والباحثين.