تحدثنا في الجزء الأول من هذه السلسلة عن نشأة الدولة العثمانية وقادتها الأوائل بداية من سليمان شاه و ارطغرل وعثمان المؤسس وانتهاء بالعملاق العظيم سليمان القانوني ابن سليم الأول وعرفنا كيف استطاع هؤلاء العمالقة أن يقيموا امبراطورية إسلامية عظيمة حكمت نصف العالم ستة قرون من الزمان.
نستكمل بمشيئة الله تعالى هذه السلسلة وننتقل إلى مرحلة من أخطر المراحل ليست في تاريخ الدولة العثمانية فحسب بل في تاريخ الاسلام كله .
كيف بدأ الضعف ينخر في عظام امبراطورية بني عثمان ؟! وماحجم المؤامرات التي حيكت ضد الاسلام عامة والدولة العثمانية خاصة ؟! وكيف بدأ محمد علي في عزل مصر عن الدولة العثمانية ؟! وما قصة الاتحاد والترقي ويهود الدونمة ؟! وكيف أصبحت الدولة في مرمى النيران الخارجية والداخلية ؟! .
كل هذه النقاط وغيرها من النقاط التي ربما تفسر الكثير مما تعيشه الأمة الآن سنتناولها في هذا الجزء من السلسلة .
ونبدأ في هذا المقال بالحديث عن أحفاد القانوني مراد الثالث ومحمد الثالث بعدما تحدثنا عن إبنه سليم الثاني فمن هو مراد الثالث وما قصته .
مراد الثالث :
تولى الحكم بعد وفاة أبيه سليم الثاني سنة ٩٨٢ھ وكانت أول أعماله أنه أصدر قراراً بمنع الخمر الذي بدأ يتسرب إلى الأنكشارية إبان حكم أبيه مما أدى إلى قيام الأنكشارية بثورة عارمة ضده كادت أن تودي به وقد قامت سياستة على عدة محاور :
المحور الأول :
علاقتة بالدول الأوروبية حيث نجح في عقد معاهدات مع فرنسا والنمسا كما ضم بولندا تحت سلطانه.
المحور الثاني :
علاقتة بالدولة الصفوية الشيعية في إيران حيث استغل وفاة طهم الشاه الإيراني ووقوع نزاعات بين خلفائه فهاجم أذربيجان ودخل تبريز وسيطر عليها .
المحور الثالث :
اليهود في عهد مراد الثالث بدأت هجرات اليهود إلى سيناء تزداد شيئاً فشيئاً بعد أن هاجر إليها أحد رجالات اليهود وهو أبراهام الذي استقر بالطور تمهيداً لإقامة وطن لهم في منطقة الطور في سيناء وأمام هذا الزحف أصدر مراد ثلاث فرامانات بمنع اليهود تماماً من دخول سيناء .
الحركات الإنفصالية:
قامت في عهد مراد الثالث عدة حركات انفصالية قامت بها بعض الأقاليم للانفصال عن الدولة العثمانية وكانت أهمها حركات البغدان والافلاق وترانسلفانيا .
هذه أهم مظاهر حكم مراد الثالث وعلى الرغم من أنه كانت له أعمال عظيمة إلا أنه لم يكن على نفس القدر من القوة التي كان عليها أجداده وقد توفي رحمه الله سنة ١٠٠٣ھ وتولى من بعده ابنه محمد الثالث .
محمد الثالث :
تولى محمد الثالث الحكم بعد وفاة أبيه سنة ١٠٠٣ھ ١٥٩٥م وقد سماه جده سليمان القانوني محمد تيمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وكان السلطان محمد الثالث صالحاً وقد أشيع عنه الكثير من الافتراءات التي سنفندها في الجزء الخاص بالشبهات والردود .
أهم أعماله :
العودة لقيادة الجيوش بعدما بدأ السلاطين يتقاعسون عن قيادة الجيوش منذ عهد سليم الثاني مما أدى لتعرض الجيش العثماني لعدة هزائم متتالية مما جعل السلطان محمد الثالث يعود لقيادة الجيوش مرة أخرى فعادة الحماسة بالفعل للجيوش واشتعلت فيهم روح الجهاد من جديد ومن أعظم الأعمال العسكرية التي قام بهاالسلطان فتح قلعة '' أرلوا '' أحصن قلاع بلغراد والتي لم يستطع السلطان القانوني نفسه فتحها.
وحاول محمد الثالث أن يعيد الدولة لسابق قوتها ويقضي على بعض المظاهر السيئة التي بدأت تعتريها إلا أن الثورات الداخلية التي بدأت تعصف بالدولة مثل ثورة الخيالة وثورة قرة يازيجي شغلت السلطان وأخذت منه وقتا كبيرا حتى استطاع أن يقضي عليها ثم سرعان ما وافته المنية سنة ١٠١٢ھ ١٦٠٣م تاركاً الحكم لأبنه السلطان أحمد الذي لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره في سابقة هي الأولى في تاريخ الدولة .
فماذا حدث بعد ذلك؟! وكيف أدار هذا الطفل امبراطورية تخطت مساحتها عشرين مليون كم٢ ؟! وما هي حركة فخر الدين المعنى وظهور الخطر الدرزي؟!
هذا ماسنعرفه في المقال القادم بإذن الله تعالى .
======================================
المصادر :
1- العُثمانيون في التاريخ والحضارة، محمد حرب.
2- تاريخ العُثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، محمد سهيل طقوش.
3- تاريخ الدولة العثمانية (النشأة – الازدهار) وفق المصادر العثمانية المعاصرة والدراسات التركية الحديثة، سيد محمد السيد محمود.
4- تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الذهبي، أحمد فؤاد متولي.
5- تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، خليل إينالجيك.
6- الدولة العثمانية المجهولة، أحمد آق گوندوز وسعيد أوزتورك.
7- تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا.
8- الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، مجموعة من المؤرخين والباحثين.