"يابن الخطاب رجوت نصرك فجئتني بخذلانك ، إنه قد انقطع الوحي وتم الدين ولا ينقص وأنا حي ، والله لو خذلني الناس كلهم لقاتلتهم وحدي حتى يظهر الدين أو تنقطع سالفتي".
بهذا الرد الحاسم القاطع ، استهل الصدّيق مواجهته للمرتدين وأعلن عليهم حربًا ضروسًا لا هوادة فيها ، فلكم أن تتخيلوا المشهد ، مات النبي ، وانفرط عقد الإسلام وانقلب العرب على أعقابهم وارتدت قبائلهم من عمان حتى المدينة وتعدد مدعو النبوة وكان لكل واحد منهم جيش زاد بعضهم على الأربعين ألفا وأمام هذا الخطر لم يكن أمام المسلمين سوى أمر من اثنين إما الاستجابة لمطالب المرتدين والقبول بانتقاص الإسلام وإما حرب لا هوادة فيها وكان غالبية الصحابة على الخضوع لمطالب المرتدين فالمواجهة مستحيلة ، غير أن أبا بكر أبى إلا أن يكون أمة وحده فقد قبل التحدي وأعلن هو الحرب وقادها بنفسه رغم اختلال ميزان القوة تماما .
فكيف كانت حروب الردة وكيف نجح الصديق في سحق المرتدين ؟!!
ما أن قويت شوكة المرتدين حتى بدأوا زحفهم للقضاء على من تبقى على الإسلام ولم يكن قد تبقى من الجزيرة كلها سوى مكة والمدينة والطائف ، وهنا توجهت أنظار المسلمين إلى الصديق كيف سيواجه هذا الخطر الداهم ، فكان الرد من الصديق مفاجئاً للصحابة قبل أن يكون مفاجئاً للمرتدين ، فقد قرر أبوبكر رضي الله عنه مخالفة القواعد العسكرية وموازين القوى وأعلن الحرب على المرتدين ، وكان الصحابة يرون أن هذا القرار انتحار ، فكيف سيواجه كل هذه الجموع التي رمتهم عن قوس واحد ، وأسرع عمر ليثني أبابكر عن قراره ولكنه رضي الله عنه قد أعلنها دون رجعة فلما دخل عليه عمر شده من لحيته وقال له أجبار في الجاهلية خوّار في الإسلام يابن الخطاب .
حروب الردة وسحق المرتدين :
بعدما أعلن أبوبكر الحرب جمع الصحابة وعقد لهم أحد عشر لواءً لمحاربة المرتدين ، فأرسل خالد بن سعيد بن العاص لمشارف بلاد الشام ، وعمرو بن العاص لمقاتلة قضاعة ووديعة والحارث ، وعكرمة وشرحبيل بن حسنة لمقاتلة بني حنيفة ، والعلاء الحضرمي لمرتدي البحرين ، وخالد بن الوليد لمحاربة بزاخة والبطاح واليمامة ، وحذيفة بن محصن للقضاء على حركة ذوالتاج لقيط ، وعرفجة بن هرثمة إلى حضرموت وطريفة بن حارث إلى شرق الحجاز والمهاجر بن أمية لكندة ويزيد بن مقرن لتهامة ، وقد نجحت هذه الألوية في ردع المرتدين وكان لكل منهم صولات وجولات لايتسع الوقت لذكرها ، لذلك نكتفي بأن نشير إلى أهم وأخطر هذه المعارك.
معركة اليمامة " عقرباء الموت " :
كان أبو بكر قد أرسل جيشين لمقاتلة مسيلمة الكذاب وكانا بقيادة شرحبيل بن حسنة وعكرمة بن أبي جهل وقد هُزم الجيشان فارسل لهم خالد بن الوليد واجتمعت جيوش المسلمين في هذه المعركة الحاسمة بقيادة خالد بن الوليد ضد بني حنيفة بقيادة مسيلمة الكذاب ووقعت معركة من أخطر معارك التاريخ الإسلامي ، وكان خالد قد قسم جيش المسلمين تقسيما قبلياً ليستثير في المسلمين حمية الدين وعصبية القبلية ، واشتعلت المعركة وقتل فيها أعداد كبيرة وكان النصر في بدايتها حليفًا للمرتدين فقد وصلوا إلى خيمة خالد فردهم المسلمون ولما مالت الكفة في النهاية للمسلمين دخل بنو حنيفة حديقتهم وتحصنوا بها ونجح المسلمون في اقتحام الحديقة بعدما نجح البراء بن مالك أن يفتح للمسلمين الباب وظل القتال مشتعلاً حتى استطاع وحشي بن حرب أن يقتل مسيلمة بحربته ثم جاء أودجانة سماك بن خرشة وجز رقبته واستسلم بنو حنيفة بعدما قتل قادتهم وتحولت حديقتهم إلى حديقة الموت.
مواقف يوم اليمامة :
يقول من حضر المعركة من الصحابة ، لم نشهد في تاريخ الاسلام قتال كقتال اليمامة وقد سطر المسلمون صفحات مشرقة في هذه المعركة الأسطورية ومن هذه المواقف يقول عبدالله بن عمر لما اشتد القتال يو اليمامة صاح خالد في الأنصار ياللانصار فرأيت رجل من الأنصار ملقى على الأرض مدرج في دمائه فلما سمع النداء بدأ يحبوا على بطنه فلما أعذرت له قال لا والله مادام المنادي قد نادى فقد وجب تلبية النداء ولو حبوًا .
ومن المواقف أيضا موقف سالم مولى حذيفة ، لما أخذ الراية نادى في أهل القرآن ياأهل القرآن زينوا القرآن بالفعال ، فلما تزاحم عليه الكفار ، خشي أن يتراجع بالراية فحفر لنفسه حفرة ثم نزل فيها ، وظل يقاتل حتى استشهد .
ونختم بموقف البراء بن مالك ، لما تحصن المرتدون بالحديقة صرخ البراء في الصحابة وطلب منهم أن يلقوه داخل الحديقة وبالفعل رفعه الأنصار والقوه داخل الحديقة وهو متترس بالحديد ودخل البراء وسط عشرات الآلاف ونجح البراء في مشهد خيالي أسطوري أن يفتح باب الحديقة ليدخل جيش المسلمين .
المشاهد كثيرة ولكن الوقت لا يتسع لها ، وقد نجح المسلمون بفضل الله اولا ثم عزيمة الصديق أن يقضوا على المرتدين .
يقول المؤرخون :
لو لان أبوبكر الصديق للمرتدين لكان الإسلام الموجود بين الناس الآن غير الإسلام الذي جاء به محمد.
" فأيكم غيرته على الإسلام كغيرة أبي بكر ؟! "
======================================
المصدر :
- موقع قصة الإسلام للدكتور راغب السرجاني