التاريخ الإسلامي التاريخ الإسلامي
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

معركة القادسية


معركتنا اليوم وسردنا لها والله لينفطر لها القلب من شدة جمال وقوة وعظمة جنودها وقادتها .

على بركة الله نبدأ : 

بعد هزيمة الفرس في معركة البويب، استاء أهل فارس من قادتهم واتَّهموهم بأنهم الذين أوصلوهم إلى هذه النَّتيجة بسبب اختلافهم وتفرُّقهم، فاجتمع قادتهم وبحثوا عن ملك من سلالة كسرى يدير البلادَ، فتوصَّلوا إلى يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ونصَّبوه مَلِكًا وهو ابن إحدى وعشرين سنة، واجتمعوا عليه، وتبارى القادة والرؤساء في طاعته، واطمأنَّت فارس، وعَيَّن يزدجرد القادة ووزَّعهم على الثغور، ونقض أهل السواد صُلْحَهم مع المسلمين خوفًا من الفرس ورهبة، وكتب المثنَّى إلى عمر يُخبِره بذلك، فكتب عمر إلى المثنى:

"أمَّا بعد، فاخرجوا من ظهر العجم وتفرَّقوا في المياه التي تلي الأعاجم على حدود أرضكم وأرضهم، ولا تدعوا أحدًا من أهل النجدات ولا فارسًا إلا اجتلبتموه، احملوا العرب على الجد إذا جد العجم فلتلقوا جدهم بجدكم".

فانسحب المثنَّى ونزل في مكان يقال له: ذو قار، ونزل الناس على شكل مسالح يُغيث بعضهم بعضًا، متناثرين إلى قريب من البصرة، ويجتمعون إذا دعت الحاجة، ونادى النَّفير، وكان ذلك في ذي القعدة سنة 13هـ. 
وارسل الخليفة الفاروق قاهر الفرس المجوس رضي الله عنه ، إلى أبي عبيدة بن الجراح :
اقتتطع من جندك وأنفذهم حثيثا إلى سعد بن أبي وقاص في القادسية !!!

صدع القائد ابن الجراح للأمر رضي الله عنه وولى على الجيش هاشم بن عتبة وجعل على مقدمة الجيش القعقاع بن عمرو وأوصاهم ابن الجراح : 
العجل ، العجل ، المسلمون في القادسية يواجهون أضخم حشد حشدته فارس في حرب ، وهم بحاجة إلى كل رجل منكم.

وفي سنة 14هـ من أول المحرم عسكر عمرُ بن الخطاب خارج المدينة يريد الغزوَ، فاجتمع إليه الناس، لكن عبدالرحمن بن عوف أشار عليه بعدم الخروج وأن يولي على الجيش سعد بن أبي وقاص، وكان سعد على صدقات هوازن، فبعث إليه عمر وولَّاه قيادة الجيش في العراق، وسيَّره في أربعة آلاف، وأرسل إلى المثنَّى لكي يَنضمَّ إليه. 

واجتمع لسعد في القادسية أكثر من ثلاثين ألف مقاتل وترك المثنَّى لسعد وصية من قائد مُجرِّب خبَر المعارك ضد الفرس لكي يستفيد من تجاربه أيضًا؛ لأن المثنى قد توفِّي قبل وصول سعد على إثر جراحاته البليغة، أمَّا عمر بن الخطاب، فقد قدَّر حجم المعركة، وعرَف أنها بحاجة إلى المزيد من الحشد، فأمر بالسماح لأهل الردَّة الذين تابوا بالمشاركة في هذه المعركة، وقد مُنعوا من قبل من المشاركة في الفتوحات؛ كما قال قولته المشهورة : 
والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب، فلم يدع رئيسًا ولا ذا رأي أو شرف ولا خطيبًا ولا شاعرًا، إلَّا رمى بهم في المعركة، فكان كل من يريد الجهادَ يُوجِّهه للعراق؛ لذا كان المدد يأتي إلى سعد أرسالًا أرسالًا.

ولما نزل سعد بالقادسية، أتاه كتاب عمر - وكان عمر لا يَهدأ بالكتب ليبقى على صِلة بالمعركة وأخبار الجيش - فقال: صِفْ لي موقعك صفةً كأنِّي أنظر إليه، واجعلني من أمركم على الجلية، فوصف له سعد منزلَه بالقادسية، كما وصف له جيش الفرس وقائدهم، وذكر له أهل السواد ونقضهم ما كان مع المسلمين، فردَّ عليه عمر بكتاب يثبِّته فيه فقال: "فإن منحك الله أدبارهم، فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن؛ فإنَّه خرابها إن شاء الله"

عندما قرّر رستم قائد الفرس خوض المعركة أخذ يستعرض أمام جنده بفرسه الجديد، ثم قفز عليه دون أن يضع رجله في الركاب، وهذا أمر لا يفعله إلا فارس عظيم مثل رستم، ووقف على فرسه بمنتهى الخيلاء يستعرض جيشه، ثم قال: "غدًا ندقهم دقاً". فقال أحد الجند: إن شاء الله. فقال: "وإن لم يشأ!!" وقرّر أن يدخل المعركة وهو يُصرّعلى كفره وعناده...
وقدَّم رستم أمامه الجالينوس، فكان يأمره فينتقل مرحلة ثمَّ يسير خلفه، وهكذا كان يتقدَّم بحذر، فكانت مدَّة خروجه إلى أن لقي سعدًا أربعة أشهر، وهدفه من ذلك أن يملَّ المسلمون من اللقاء ثم ينصرفوا..

وكان رستم يحاول أن يغريهم بالمال ليرجعوا، وأن تحسن فارس علاقاتها مع العرب، وهم يحلمون بماضيهم المتغطرس على العرب، فكان الجواب من المسلمين دومًا: الإسلام، أو الجزية، أو القتال.

ولما كان لا بد من الحرب، أرسل إلى سعد يقول: إمَّا أن تَعبر إلينا أو نعبر إليكم، فقال سعد: بل اعبروا إلينا، ثمَّ طلبوا منه التنحِّي عن القنطرة ليعبروا، فلم يوافِق وقال: هذا شيء غلبناكم عليه، فلن نرده عليكم، ثم تكلَّفوا معبرًا آخر غير القناطر، فعبروا ونزلوا ضفة العتيق (أحد فروع الفرات)


إنقسمت المعركة إلى أربعة أيام من القتال وهي : 


️اليوم الأول :

الإثنين محرم 14 هجري ( يوم أرماث )


وأقام سعد في القصر وأمامه الجيش على مصافِّه عليه قادته، وكان سعد قد أُصيب بالدمل، فلا يستطيع القعود ولا الركوب، وهو على صدره، تحته وسادة يلقي بالرقاع فيها أمره ونهيه، يبلغ ذلك إلى خالد بن عُرطفة، وهو يُبلِّغها إلى الأجناد.

وبدأت المعركة باختطاف عدد من جنود الفرس وقتلهم، ثم كبَّر سعد وتلاحم الجيشان، وتقدَّم نحو بجيلة (قبيلة) ستة عشر فيلًا، فنفرت خيلهم وكادوا أن يهلكوا بمَن معهم، فأرسل سعد إلى بني أسد أنْ ساعدوا بجيلة، فخرج طليحة وقوم من بني أسد في كتائبهم إلى الفيلة فردوها، وإن على كل فيل عشرين رجلًا، ولما رأى ذو الحاجب وقوف أسد كثَّف الهجوم عليهم وقصدهم من دون العرب، فكانوا في محنة، وكبَّر سعد الرابعة فزحف بقية جند المسلمين، ونادى سعد عاصم بن عمرو وقال له: اكفِني شرَّ الفيلة، فأمر عاصم رجالَه أن يستدبروا الفيلةَ ويقطعوا السيور التي تَحمل التوابيت ثمَّ ليرموا من فوقها، ففعلوا وحسرت الفيلة، وقتل مَن عليها من الجند، ثمَّ تحاجز الناس في الليل، وأصيب من قبيلة أسد خمسمائة، وكانوا هم الدريئة للمسلمين في هذا اليوم؛ حيث تلقوا الصَّدمة الأولى عن غيرهم واحتووا هجومَ الفرس.


️اليوم الثاني :

الثلاثاء محرم 14 هجري ( يوم أرواث ) 


ووصل مَدَد من الشام، وهم الذين كانوا مع خالد، فعادوا بِناء على أوامر عمر بن الخطَّاب، وفيهم القعقاع بن عمرو وهاشم بن عتبة، وكانوا في ستة آلاف مقاتل، وانطلق القعقاع بالف فارس إلى القادسية وكان وصول القعقاع في صبيحة يوم أغواث ولكن قبل وصوله قسّم فرسانه الألف إلى عشر فرق ، في كل فرقة مائة فارس ، وأمر الفرقة الأولى أن تنطلق في اتجاه جيش المسلمين ، وأن تتعمد إثارة الغبار حتى تشحن الجّو شحنا ، وكذلك تنطلق بقية الفرق باتجاه العدو .
انطلق القعقعاع على رأس الفرقة الأولى فكبّر ، وكان صوته بألف فارس كما قال الصديق رضي الله عنه .
ومرّ بسعد بن أبي وقاص وبشره بالمدد ، ورأى العسكر سنابك الخيل تثير العجاج ، واهتز المكان بصوت الله أكبر
ونظر العسكر إلى النجدات تتوالى كتيبة إثر كتيبة فدّب الذعر في نفوس الفرس ، وأخذ المسلمون يهللون ويكبرون بأصوات صدعت أفئدة العدو ونادى للمبارزة، وخرج له ذو الحاجب بهمن جاذويه، فأخرج له البيرزان والبندوان، فخرج مع القعقاع الحارث بن ظبيان فبارزاهما وقتلاهما، ونشط المسلمون واقتتل الجيشان حتى المساء، وكانت الغَلَبة للمسلمين في هذا اليوم، ولم يقاتل الفرس بالفيلة هذا اليوم لتكسُّر توابيتها في اليوم الأول؛ حيث لم يتمكَّنوا من إصلاحها؛ لذلك خرجت من المعركة، وقاتل المسلمون بمعنويات كبيرة في غيابها


ال️يوم الثالث :

الأربعاء محرم 14 هجري ( يوم عماس )


وفي هذا اليوم جهَّز الفرسُ الفيلةَ، وصدَموا بها المسلمين، وتَطوَّع القعقاع بن عمرو وعاصم، فشدُّوا مع جماعتهم على الفيل الأبيض - وهو أكبرها، ويُسمَّى فيل سابور - وفقؤوا عينيه بالرِّماح، ثمَّ قطعوا خُرطومَه، وشدَّ آخرون من بني أسد على الفيل الأجرب، وفعلوا فيه مِثْل فِعْل القعقاع وعاصم، فارتدَّ الفيلان على جيش الفرس، وتَبِعهما بقيَّة الفيلة، فعبروا العقيق، هربًا بمن على ظهورها من الجنود، واستمرَّ القتال شديدًا طيلة هذا اليوم، ثمَّ تواصَل حتى الليل فسُمِّيت هذا الليلة ليلة الهرير، وكانت شديدة على الطرفين، وانقطعت الأصوات إلا من صوت السلاح، وفُقِد الاتصال مع القيادة، فلا سعد يعلم ما جرى للمسلمين، ولا رستم يعلم ما جرى للفُرس، وعند الصباح انتهى الناس، وكانت الغَلَبة للمسلمين، وسُمِّيت بهذا الاسم؛ لأن الجميع فقدوا النُّطقَ، وكان كلامهم الهرير


️اليوم الرابع :

الخميس 14 هجري ( يوم القادسية ) 


وهذا اليوم كان صبيحة ليلة الهرير؛ حيث استمرَّ القتال في الصباح، وقال القعقاع: اصبروا؛ فإن صبرتم ساعة كان النصر لكم بإذن الله، وخالَط المسلمون الفرسَ وجالدوهم، وما ارتفع قائم الظهيرة حتى انفرج القلب، وتوغَّل فيه المسلمون، وهبَّت عاصفةٌ فقلعتْ خيمةَ رستم عن سريره وحملتها للعقيق (النهر)، وانتهى القعقاع ومن معه إلى السرير وتنحَّى رستم، فاختبأ بين بغال محمَّلة بالأموال، ووصَل إليه هلال بن علقمة فقطع حملًا، فسقط فوق رستم، وكسر فقارًا من ظهره، فهرب وألقى بنفسه في الماء فتَبِعه هلال فجذبه من رجله، وأخرجه للشط وقتلَه ثم صعد سريرَه، وقال: قتلتُ رستم وربِّ الكعبة، وكبَّر المسلمون، وهرب الفرس يريدون العبورَ، وسقط المقترِنون بالحديد في النَّهر والمسلمون يطعنون بالرِّماح، ونادى سعد جنودَه لاتباعهم والإجهاز عليهم حسَب تعليمات عمر، وألَّا يُفلِت منهم أحد، وطاردوهم حتى آخر اليوم في البوادي والقرى.

استشهد من المسلمين زهاء ثمانية آلاف وخمسمائة مُقاتِل، وقُتِل من جنود الفرس ما يزيد على خمسين ألفًا، وشُرِّد جيشهم، فلم يَصِل منهم إلى المدائن إلا القليل.









______________________________________________
المصادر :
- البداية والنهاية لابن كثير. 
- الكامل في التاريخ لابن الأثير. 
- تاريخ الطبري. 

عن الكاتب

التاريخ الإسلامي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إحصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

التاريخ الإسلامي