المؤذن الذي استهزأ بالأذان ، ثم ما لبث بعد ذلك أن هداه الله فأصبح مؤذناً عظيماً ، هو "سلمة بن معير الجمحي" (أبو محذورة) رضي الله عنه ، وكان "أبو محذورة" أحسن الناس أذاناً ، وأنداهم صوتاً.
بينما سيدنا "بـلال" رضي الله عنه يؤذن لصلاة الظهر ، كان "أبو محـذورة" المشرك يؤذن لغنمه بصوته الجميل ليستهزئ بالمسلمين..
فسمع النبي ﷺ شخصاً يستهزئ بالآذان ممن يرعون الغنم ، فأمر سيدنا "علي" و "الزبير" رضي الله عنهم أن يحضروهم.
فقال النبي ﷺ لأبي محذورة ومن معه من الذين كانوا يرعون الغنم : «من منكم الذي أذّن آذان المسلمين ؟!» .. فخافوا جميعا ولم يتكلموا !!
فأمر النبي ﷺ كل واحد منهم أن يؤذن بمفرده ، حتى تبين صاحب الصوت الجميل الذي أذّن لغنمه.
فسأله النبي ﷺ عن إسمه ..
فقال : إسمي "أبو محذورة".
فقال النبي ﷺ : «أنت من أذّنت بهذا الصوت الجميل ؟!».
أبتسم وفَرِح بذلك "أبو محذورة" الذي كان مشركاً ، وهذا لأن بالكلام الطيب تمتلك القلوب ، فأنظر إلى رحمة سيدنا النبي ﷺ عندما جبر بخاطر المشرك وقال له أن صوته جميل رغم أنه كان يستهزئ بالأذان !!.
فقال "أبو محذورة" : نعم أنا.
فوضع النبي ﷺ الكريم الرحيم حتى بالمشركين ، يده الشريفة على رأس "أبو محذورة" ونزع عمامته ومسح بيده الشريفة على رأسه داعياً له : «اللهم بارك فيه ، وفي ذريته ، وفي صوته ، وأهده للإسلام».
فخرجت من "أبو محذورة" الشهادة سريعة مدوية أمام أصحابه رعاة الغنم ، وعينه النبي ﷺ مؤذناً لأهل مكة المكرمة ، وهذا شـرف لا يعلـوه شـرف.
فأقسم "أبو محذورة" من يومها ألا يحلق شعر رأسه الذي وضع النبي ﷺ يده الشريفة عليه ، وقال : ما كنت لأحلق شعرًا مسح عليه رسول الله ﷺ ودعا عليه بالبركة .
ولما كانت قصة إسلام "أبو محذورة" فيها من الغرابة ما فيها ، كانت بدأت باستهزائه بالأذان ، ثم انتهت بإسلامه ؛ ولذلك فإنَّ بعض العلماء يعنونون لقصته تلك بقولهم: (قصة المستهزئ الذي هداه الله).
أمره النبي ﷺ بالأذان في مكة بعد عودته من غزوة حنين ، وظل يؤذن فيها حتى توفي في مكة عام 59 هـ .
وظلت ذرية "أبو محذورة" يؤذنون قرابة الـ ٣٠٠ عام ، بفضل دعاء النبي ﷺ له ولذريته ، وكانوا أصحاب حنجرة ذهبية ربانية .. فرضي الله عنهم وأرضاهم.