كانت عادة الأمويين سواءاً بالمشرق أو الأندلس ( الصوائف والشواتي ) وهي غزوات الصيف والشتاء وكانت تلك الغزوات تهدف لإبقاء العدو في موضع الدفاع وجعل المعركة في دياره.
وقد استمرت سياسة الصوائف والشواتي في عهد الحاجب المنصور بن أبي عامر حاجب الأندلس ومن أعظم غزواته غزوة شانت ياقب.
فقد كان هناك شخصاً يدعى يعقوب الحواري وهو من حواري عيسى بن مريم عليه السلام فلما مات يعقوب دفن في منطقة جبلية وعرة وصار يدعى بياقب حسب لغة الإسبان وكانت منطقة شانت ياقب من أقدس الأماكن عند النصارى شأنها كشأن القدس وروما وكنسيتها كالكعبة عند المسلمين -وللكعبة المثل الأعلى- فلوعورة المنطقة؛ أمِنَ النصارى من بطش ابن أبي عامر وظنوا أنهم في مأمن، لكن الحاجب المنصور أعد خطة محكمة وبالغ في سريتها، فما هي إلا أيام وهلع النصارى لما رأوا مقدمة جيش المسلمين ، فأخلوا المدينة عن بكرة أبيها ودخل المنصور المدينة الحصينة بدون مقاومة تذكر وغنم منها غنائم كثيرة وأصدر أمره بتخريب حصون المدينة وهدمها.
ومن أخباره أيضاً أنه قفل من إحدى غزواته منتصراً كعادته فكمن الإسبان له في طريق عودته وسدوا ممراً ضيقاً فلما علم المنصور بذلك قفل راجعاً ومكث في إحدى قرى الإسبان بعدما أخلى أهلها منها وأنزل ديارها لجنوده يحرثون ويزرعون ثم أرسل حملاته وسراياه لتثير الرعب في المدن الإسبانية فضاق الإسبان منه فرسالوه على أن ينسحبوا من الممر الجبلي ويخلوا له الطريق ليعود لبلاده فرد عليهم :
”إن بلادكم هوائها عليل ومناخها جميل وقد أعجبني المُقام بها وقد عزمت على الإقامة حتى يبلغ ميعاد غزوتي القادمة في أراضيكم فأوفر على جيشي عناء السفر والطريق“
وانطلقت سرايا المنصور تغير على الأعداء وتغنم أموالهم وتقتل محاربيهم ثم هم يرمون بالجثث أمام الممر الجبلي حتى يشاهدها جنود الإسبان، فراسل الإسبان الحاجب المنصور مرة أخرى يتوسلون فيها له عارضين عليه ما يريده كي يتركهم وينسحب فاشترط المنصور عليهم أن يزيلوا هم الجثث الملقاة أمام الممر الجبلي وأن يأتي الإسبان منكسي الرؤوس ليحملوا الغنائم لقرطبة العاصمة ففعل الإسبان ذلك وهم صاغرون.
وان كانت الانتصارات يصنعها القادة وهم أحياء فإن التاريخ يسجل للمنصور بن أبي عامر أنه الوحيد الذي انتصر على عدوه وهو في ميتاً في قبره، ومن ذلك أن المنصور مات أثناء إعداده لحملة للجهاد على العدو الإسباني ووفاته المنية في مدينة سالم ثغر الأندلس الشمالي فدفن بها وفيها يقع قبره، فلما سقطت مدينة سالم بيد الإسبان أتى ألفونسو ملكهم ونصب سريره فوق قبر المنصور وأجلس امرأته بجانبه على السرير، وجلس يقابل رسول حاكم دويلة من دول الطوائف على قبر المنصور فقال للرسول:
”يا شجاع -اسم الرسول- أما تراني قد ملكت بلاد المسلمين وجلست على قبر مليكهم؟“
فلم يحتمل الرسول ودفعته الغيرة على الإسلام فقال:
”والله لو تنفس صاحب القبر وأنت عليه ، ما سمع منك ما يكره سماعه ، ولا استقر لك قرار “.
فهاج ألفونسو وقرر الفتك برسول المسلمين لولا امرأته حالت بينه وقالت له:
”أيفخر مثلك بالنوم فوق قبره، والله لقد هزمك المنصور وهو ميت وهنيئاً له النوم تحت عرش الملوك“.
رحم الله المنصور بن أبي عامر وغفر له...
{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }.