هي قصة جاسوس إسباني أسمه "دومينغو فرانثيسكو باديا" ، ولد بمدينة برشلونة الإسبانية عام 1767 ، رشحته الحكومة الاسبانية في مهمة تجسسية تخريبية على المملكة المغربية بعدما وافق عليه الملك كارلوس الرابع ، لكن وقبل توجهه إلى المغرب استعد لهذه المغامرة بشكل جيد، إذ أنه عمل على تعلم اللغة العربية ، ثم درس تعاليم الدين الإسلامي ، وحفظ بعض سور القرآن الكريم، وسافر إلى لندن لختان نفسه عند طبيب يهودي .
لم يترك "دومينغو فرانثيسكو" أي شيء للصدفة، وقبل إبحاره في اتجاه المغرب، اختار إسما جديدا له، فأطلق على نفسه اسم (علي باي العباسي) ، مدعياً أنه ابن الأمير عثمان باي العباسي من الشرفاء العباسيين أحفاد عم الرسول ، وأنه من مواليد حلب بالشام.
وصل علي باي مرفأ طنجة في 29 يونيه 1803، وهو متنكر في زي عربي، ونجح في أن يحوز ثقة حاكم المدينة وكبارها، بدأ يطمح في كسب ثقة السلطان المولى سليمان، وهو ما لم يتأخر كثيرا فأثناء زيارة السلطان إلى المدينة في شهر أكتوبر من سنة 1803، طلب السلطان لقاءه نظرا لشهرته ومكانته في المدينة ، و خصص له السلطان استقبالا كبيرا، يليق بأمير مسلم منفي، ثم منحه قصرا في مدينة مراكش و بساتين تقديرا له وللسلالة العباسية الشريفة ، و زوده بالحرس و الخدم .
وبعدما تمكن من كسب ثقة السلطان و دخل الى البلاط الملكي المغربي وصار جليس السلطان المفضل و احد حاشيته ، بدأ في تطبيق خطته التي جاء من اجلها ، وهي إقناع السلطان بقبول الحماية الإسبانية ليجنبها الأطماع الفرنسية المتربصة ، إلا أنه فشل في مسعاه ولم يتمكن من إقناع السلطان بخطته.
وعندما تيقن بأنه لن يتمكن من تحقيق هدفه، فكر في خطة بديلة ، وهي دعم بعض الثوار لإيقاد فتنة داخلية تساعد على إضعاف المغرب وتسهل احتلاله على الإسبان.
لكن باشا مدينة مراكش تصاعد شكوكه في نوايا علي باي ، و لم يبق أمامه من خيار سوى التوجه شرقا بمبرر الرغبة في أداء فريضة الحج.
وفي طريقه نحو الحج حمله السلطان رسائل إلى كل من داي الجزائر و باي تونس؛ و حينها راودته فكرة اللقاء بـ"داي" الجزائر والتحالف معه ضد السلطان المغربي لاضعاف الدولتين و تسهيل احتلالهما من الغرب ، لكن ازدادت شكوك رجال سلطان المغرب في حقيقة نوايا علي باي ، فقرروا قطع الطريق عليه قبل وصوله إلى الجزائر، و أُرغم على التخلي عن خدمته وأسرته والمغادرة وحيدا مع إبلاغه رسالة صارمة من السلطان مفادها: اذهب ولا تعد.
وقد تفاجاء حاشية السلطان و استغربوا بقرار طرده بدل قتله، لكنّ السلطان دافع عن موقفه بالقول إنه لا يريد منح "علي باي" شرف الشهادة، كما يعوّل على سلاح النسيان لإخراجه من التاريخ.
وعند وصوله إلى بلاد الحجاز، حاز على ثقة شريف مكة ومكنه هذا الأخير من زيارة جميع الأماكن المقدسة، حتى أنه سمح له بتنظيف وتعطير الكعبة ولقبه بخادم بيت الله الحرام ، وكان اول اسباني و ثاني اروبي غير مسلم يتسلل للاراضي المقدسة و يكتب رحلته التجسسية بدقة .
سنة 1818، ذهب إلى دمشق ، و هناك تم اكتشافه من قبل أجهزة الاستخبارات البريطانية في دمشق ودسوا له السم بعد دعوة للعشاء من قبل باشا فكان احتساء كأس من القهوة آخر لحظاته..