كان القصر العثماني ومسجد السليمانية من أعظم الأماكن المعمارية عند العثمانيين وكانت الأشجار تحيط بالقصر والمسجد في منظر قمة في الروعة وفي ذات مرة هجم النمل على الشجر وبدأ يفسده ويدمره .
فجاء بعض وزراء الدولة العثمانية للسلطان سليمان القانوني وقالوا له أيها الأمير لقد هاجم النمل الشجر وسيقضي عليه ونرى أن نقتله ونضع له الجير ، فماذا ترى فقال لهم انتظروا حتى استشير شيخي "ابوالبركات" ، ثم كتب رسالة إلى شيخه يستفتيه ويقول له فيها (ياشيخ افتني في نمل صعد الشجر أفي قتله عند الله من حرج) فرد عليه الشيخ :(يابني اتقي يوم إذا عرض الله محكمة على البشر فيأخذ منك النمل حقه بلا خجل).
فاهتز السلطان سليمان وأمر بترك النمل وعدم الاقتراب منه مخافة أن يحاججه أمام ربه.
هكذا كان سليمان العاشر أعظم سلاطين الدنيا وحاكم القارات الثلاثة لا يجرؤ على قتل نملة واحدة خوفاً من
السؤال أمام ربه ، وبعد كل ذلك تخرج علينا الكاتبة علمانية التوجه كارهة الإسلام "ميرال أوكاي" لتصور لنا هذا السلطان العظيم في مسلسلها سيئ الذكر أنه سلطان ظالم قاتل زير نساء !!.
فأي عقل يصدق هذا الهراء ويؤمن بهذا التدليس.
لذلك ساجتهد في عرض هذه الشبهات التي يثيرها هذا المسلسل ونعرف :
ماقصة هذا المسلسل ؟!!
حقيقة روكسلانا '' هويام '' زوجة السلطان ؟!!
ما هي حقيقة قتل أبناء السلطان مصطفى وبايزيد؟!!
واختم بتعقيب أخير.
مسلسل حريم السلطان :
مسلسل حريم السلطان تأليف الكاتبة التركية ميرال أوكاي .
وهذا العمل على الرغم من الضجة الكبيرة التي أحدثها إلا أنه لا يمت للتاريخ بصلة وليس فيه أي إنصاف ، فكاتبة المسلسل روائية ليست لها أي علاقة بالتاريخ ، كما أنها تعرف بعدائها لفكرة الخلافة الإسلامية ، ومن أشهر دعاة القومية التركية، وقد وردت بالمسلسل الكثير من المغالطات التاريخية أذكر أهمها :
أولًا لقد أورد المسلسل قصة الحريم وصور أن الاختلاط كان أمرا عاديا بين الرجال والنساء كما صور نساء الدولة وهن غير محجبات حجاب كامل ، وهنا يجب أن نوضح أن نساء الدولة العثمانية كانوا لاينكشفون على أحد إلا السلطان فقط ، فقد كانوا يسكنون قصر الحرملك وهذا المكان لا يدخله إلا السلطان حتى الحرس لا يتخطون عتبات القصر ، وبالتالي لم يكن هناك أي تواصل بين النساء والرجال إلا في أضيق الحدود .
أما بخصوص أكذوبة تبرج النساء فهذا لم يحدث إطلاقا فالزي الثابت عند نساء العثمانيين هو الخمار الذي يستر الرأس تماما وكان بعضهن يغطين وجوههن تماماً.
وقد صور المسلسل السلطان وكأنه دائم الاقامة في القصر بين نسائه ، وهذه أٌيضا من الأكاذيب فسليمان القانوني كان لا يتوقف عن الجهاد وكان دائم التنقل بين ساحات الوغى وكان لايستقر في قصره إلا فترات قليلة و مما يعصف بمصداقية المسلسل أن المسلسل قد أخذت الكاتبة معظم أحداثه من كتاب سليمان سلطان الشرق العظيم والذي ألفه المؤرخ الانجليزي هارولد لامب وهو معروف بكراهيته الشديدة للدولة العثمانية و لسليمان القانوني بالذات ..
فأي عقل هذا الذي يجعلنا نتعرف على تاريخ عظيم من عظماء الإسلام من كتابات أعدابه.
روكسلانا السلطانة هويام :
من الشخصيات التي تناولها المسلسل زوجة السلطان والتي كانت تسمى روكسلانا وقد صورها بصورة إجرامية أنها سيطرت على السلطان سيطرة تامة وفرضت كلمتها على دولة الخلافة وحرضت السلطان على قتل أبنائه ليتولى ابنها سليم الحكم .
والحقيقة أن ماورد عن هذه المرأة لم تذكره أي من كتب التاريخ العثمانية ولم يرد أي نص ثابت على حقيقة ما ورد عنها وكل ماذكر في كتب التاريخ المعاصرة وفي المسلسل نقل عن كتاب أوروبيين يعرف عنهم العداء الشديد للدولة العثمانية .
أما المؤرخين الذين عاصروا سليمان القانوني فلم يذكر أحد منهم أي شيئاً عن هذه المكائد المزعومة ، وكلما ذكروه وهو الثابت والراجح أنها ولدت في أحد قرى أوكرانيا عام ١٥٠٠م ثم أسرتها قوات التتار في بلاد القرم وبيعت كجارية واشتراها السلطان وتزوجها واحبها حباً شديداً ، كما انها كانت لها اعمال عظيمة في خدمة الاسلام وأهمها إكمال عين زبيدة على نفقتها الشخصية لتوصيل الماء إلى مكة حتى لا يقل الماء ويعطش الحجاج .
وكان لها أٌيضاً الكثير من الأوقاف في مكة والمدينة وتوفيت عام ١٥٥٨م ودفنت في السليمانية .
هذا ماأجمع عليه غالبية المؤرخين أما ما روج عنها من مكر وخبث فهذا كما ذكرت سالفا لم يرد إلا في كتب الأوروبيين وقد اختلف فيه كتاب التاريخ .
قتل مصطفى وبايزيد :
من الأمور الخطيرة التي أثيرت أٌيضا هو قتل السلطان لأبنائه مصطفى وبايزيد وعلى الرغم من أن هذا الحدث مؤلم إلا أننا لا يمكن أن ننكره ، فقد قتل أبناء السلطان بالفعل في حياته ولكن تعرض هذا الأمر للكثير من التدليس فقد صور المسلسل أن السلطان قتل أبناءه بوشاية من زوجته التي همست له في غرفة نومه وهذا غير حقيقي فأي مؤرخ بارع هذا الذي دخل غرفة السلطان وسمع زوجته وهي تهمس له !!!
والحقيقة أن غالبية المؤرخين أجمعوا أن أبناء السلطان قتلوا في حياته إلا أنهم اختلفوا في حقيقة الأسباب التي أدت لذلك ، وارجح الأقوال هو ماذكره ابن العماد الحنبلي حيث ذكر أن السلطان علم أن ابنه مصطفى قد أرسل إلى شاه إيران الصفوي يعلمه بأن أباه قد كبر سنه وأنه سيقصيه ويتولى هو الحكم ويطلب من الشاه دعمه ، لذلك أرسل السلطان لشيخه يستفتيه في الأمر فأفتى له بقتله لخيانته حتى لاتقع الأمة في فتنة عظيمة ، فأمر السلطان بقتله وقلبه يتمزق ألما إلا أن حزمه كان أسبق من عاطفته .
أما بايزيد فقد قتله أخيه سليم الذي كان قائدا للجيش عندما وصلته أخبار عن تمرده واستمالة الصفويين له وكان ذلك دون علم السلطان الذي كان في آخر أٌيامه.
تعقيب أخير :
هذا تعريف موجز بالمسلسل وبأهم الأخطاء التي وقعت فيه وهناك أخطاء و مغالطات كثيرة تنسف مصداقية هذا العمل تماماً لايسع الوقت لذكرها .
وأخيرا السلطان سليمان القانوني مهما بلغ من المكانة والقوة إلا أنه بشر يصيب ويخطئ ويسعه من الشدة والحزم ما لايسع رعيته من أجل حماية الأمة، وقد تحدث في حياته الشخصية العديد من المشاكل كأي إنسان منا ، ومن الظلم والتزييف والتزوير أن يتم تخصيص عمل بهذه الضخامة لتناول حياته الشخصية
و الاجتماعية والخوض في عرضه وعرض زوجاته لتترسخ في عقول الناس صورة عنه أنه زير نساء وقاتل، وينسى الناس بطولاته العظيمة واتساع رقعة الإسلام إلى الضعف على يديه .
وختاما يكفي أن نعرف أن هذا العمل قد تم تدعيمه من بعض الدول الأوروبية التي تحمل لهذا الرجل الكراهية الشديدة.
المقال القادم بإذن الله تعالى مآثر سليمان ومواقف اسطورية من حياته ونهاية عظيمة.
======================================
المصادر :
1- العُثمانيون في التاريخ والحضارة، محمد حرب.
2- تاريخ العُثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، محمد سهيل طقوش.
3- تاريخ الدولة العثمانية (النشأة – الازدهار) وفق المصادر العثمانية المعاصرة والدراسات التركية الحديثة، سيد محمد السيد محمود.
4- تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الذهبي، أحمد فؤاد متولي.
5- تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، خليل إينالجيك.
6- الدولة العثمانية المجهولة، أحمد آق گوندوز وسعيد أوزتورك.
7- تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا.
8- الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، مجموعة من المؤرخين والباحثين.