تحدثنا عن سلاطين الدولة العثمانية واليوم نصل لٱخر محطتنا مع سلاطين بني عثمان ونختم بهذا السلطان العظيم الذي ظلمه التاريخ ..
من هو عبدالحميد الثاني ؟! وماذا قدم للاسلام ؟! ولماذا شوهت صورته بهذا الشكل الكبير ؟!.
السلطان عبدالحميد الثاني :
هو السلطان عبدالحميد ابن السلطان عبدالمجيد الخليفة الرابع والثلاثين وآخر الخلفاء الفعليين للدولة العثمانية. استمر حكمه أكثر من ثلاثين عاما ، كان فيها شوكة في حلق أوروبا واليهود وحصنا حصينا للإسلام وللمسلمين.
أعماله وفضله :
ما قدمه عبد الحميد الثاني للأمة لا تكفيه مئات المقالات بل مئات الكتب لتوفيه حقه ، فيكفيه انه تولى الحكم في أشد فترات الخلافة ضعفاً ومع ذلك لم تستطع أوروبا بقوتها وجبروتها أن تأخذ شبرا واحدا من أرض الإسلام إبان حكمه، حتى أن اليهود أنفسهم أدركوا أنه من المستحيل أن تقوم دولتهم مع وجود هذا الرجل.
وعلى الرغم من التشرذم الرهيب الذي كانت تعيشه الامة إلا أنه استطاع أن يجمع شتاتها ويعيد وحدتها عن طريق الجامعة الإسلامية ودعواته لوحدة العالم الإسلامي وكان يرسل الدعاة إلى كل البلاد الإسلامية ليجمعوا شتات المسلمين ، وكان شعاره دائما : "يا مسلمي العالم اتحدوا “ .
وقد توالت أعمال السلطان العظيمة حتى أيقنت أوروبا أنها لن تستطيع أن تتجرأ على بلاد المسلمين والسلطان عبد الحميد سلطانهم وكانوا يحذرون بعضهم منه : “لو تركتم هذا الرجل فانتظروا صحوة المريض“.
يقصدون بذلك عودة الخلافة لقوتها ، لذلك لم يهدأ اليهود ولم تهدأ أوروبا وبدأوا يخططون للقضاء على الرجل فمولوا عملائهم من الاتحاد والترقي والأرمن والعلمانيين واليهود للقضاء على عبد الحميد الثاني وصنعوا له الاضطرابات والحروب الداخلية والمشاكل الخارجية.
ودسوا عملائهم في كل أركان دولة الخلافة وعلى رأسها الجيش حتى استطاعوا أن ينقلبوا عليه ويعزلوه في1909م وينفوه إلى "سالانيك" القصر الذي يملكه أحد اليهود إمعانا في إذلاله ، وظل رحمه الله في منفاه حتى مات وعمره 76 سنة قضاها في خدمة دينه وأمته.
وقد مات عبد الحميد بعدما ترك تاريخا مشرفاً ملأئه بالتضحية والجهاد، وقد تحدث هو عن بعض ما قدمه للاسلام في مذكراته و رسائله وأقواله.
من اقواله الخالدة رحمه الله :
أرسل السلطان عبد الحميد رحمه الله رسالة إلى شيخه و مربيه بعد سقوط الخلافة يقول له فيها:
... “ لقد تخليت عن الخلافة وأنا لم أتركها وأنا خائن ذليل بل تركتها وأنا مرفوع الرأس ، لقد طلبوا مني أن أتنازل لهم عن الأراضي المقدسة وعرضوا علي مائة وخمسون مليون ليرة وإنني والله لا أسود صحائف المسلمين وصحائف أجدادي العثمانيين بالتنازل حتى ولو عن شبر من بلاد الاسلام.“
... “انصحوا الدكتور هرتزل ألا يفكر في فلسطين فإني لن أتنازل عن شبر منها لأنها ليست ملك يميني، بل هي ملك المسلمين جميعا فليحتفظ اليهود بملايينهم و ليعلموا أنهم لن يصلوا إلى فلسطين إلا إذا سقطت الخلافة .. أما وأنا حي فوالله لعمل المبضع في بدني أهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت عن أرض الخلافة.“
وقد شهد له الكثٌر من علماء ومفكري العالم مسلمين وغير مسلمين فقد قال عنه جمال الدين الأفغاني:
“لو وزن السلطان عبد الحميد بأربعة من العظماء والنوابغ لوزنهم جميعاً ، كما قال عنه “أرمينوس وامبري“ رئيس جامعة بودابست:
“لقد قابلت عبد الحميد الثاني وقد وجدت فيه إرادة حديدية وشخصية عظيمة فهو متواضع ورزين لدرجة حيرتني ، ملم بالعلوم المختلفة، أفكاره ليست رجعية، وباختصار أقول “لو سار الاتراك في الطريق الذي رسمه لهم هذا الرجل سيعيدون مجدهم وعزهم“.
هذه أمثلة قليلة جدا توضح مدى عظمة هذا الرجل الذي ظلمه الجميع حتى المخلصين من أبناء هذه الأمة ظلموه عندما تجاهلوه وتجاهلوا سيرته وفضله وجهاده وتضحياته.
الافتراءات:
ُ أما الافتراءات والأكاذيب التي ألصقت بالرجل فحدث ولا حرج ، فقد أطلق عليه الأرمن اسم ” الرجل الأحمر“ سفاك الدماء ، وقال عنه غلاستون رئيس وزراء بريطانيا ”المجرم الكبير“ ناهيكم عن التشويه الذي يتعرض له في مناهج التعليم العربية.
ُوقد رد السلطان عبد الحميد بنفسه على بعض الافتراءات التي ألصقت به ، فعندما قرأ عبد الحميد الثاني ما كتبوه عنه بعد عزله من أكاذيب وافتراءات ،رد على ذلك في مذكراته :
“لقد توليت أمر هذه الأمة أكثر من ثلاثين عاما، وإني والله لم أخن المسلمين أو أفرط في حقوقهم ، بل عملت على خدمتهم وجمع شتاتهم وأقمت فيهم العدل والحق وواجهت الاعداء من كل مكان ، إلا أن المؤامرات والخيانة كانت قد تمكنت من دولة الخلافة من قبل أن أتولى ، وبعد أن توليت ولم أجد من يعينني على أعداءالمسلمين فتحالفوا علي وعزلوني.“
هكذا كان السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله ، عالما مخلصا مجاهدا تقيا رحيما بالناس ، وليس كما يصوره
مزورو التاريخ من المستشرقين واليهود والعلمانيين بل و إعلامنا العربي العميل أيضا.
المقال القادم بمشيئة الله تعالى أهم الشبهات التي أثيرت حول تاریخ العثمانيين والرد عليها وكيف سقطت الدولة بعد ستة قرون من الحكم .
======================================
المصادر :
1- العُثمانيون في التاريخ والحضارة، محمد حرب.
2- تاريخ العُثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، محمد سهيل طقوش.
3- تاريخ الدولة العثمانية (النشأة – الازدهار) وفق المصادر العثمانية المعاصرة والدراسات التركية الحديثة، سيد محمد السيد محمود.
4- تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الذهبي، أحمد فؤاد متولي.
5- تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، خليل إينالجيك.
6- الدولة العثمانية المجهولة، أحمد آق گوندوز وسعيد أوزتورك.
7- تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا.
8- الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، مجموعة من المؤرخين والباحثين.