في سنة (667هـ - 1269م) كان السلطان "الظاهر ركن الدين بيبرس" في طريقه الى مكة لأداء فريضة الحج ، وقد علم رجال "بيبرس" ان المغول في طريقهم إلى مكة من أجل كشف الطرقات وجمع الأخبار ، وأحضروا معهم جماعات من قطاع الطرق واللصوص ، من نوعية لا رحمة لا إنسانية لا شرف أطلاقاً .
وكان هدفهم إرعاب الناس في الطريق حتى تصل أخبارهم إلى النواحي المجاورة كعادة المغول في نشر الرعب في أي مكان قبل وصولهم إليه .. وطبعا إن وصل المغول إلى الجزيرة العربية فلن يمر الأمر بسهولة دون دماء .
فقال له رجاله ان يبقى هذا العام أو يخرج معه كتيبة من خاصة من الفرسان لحمايته .
فرفض السلطان "بيبرس" الرجوع عن أداء فريضة الحجة ، إذ كيف يخاف من مخلوق وهو في بيت الخالق جل وعز ، وأي شرف إن مات ودفن وهو بملابس الإحرام .
استمر السلطان "بيبرس" إلى تكملة رحلته دون تردد ، لكنه أخد فرقة من الجيش معه تحسباً لأي غدر من المغول على أن يمده ولاته في الشام وفي البحر الأحمر أن إحتاج الى المدد .
لكن المفاجأة العظيمة هي هروب المغول من إكمال مهمتهم وعودتهم مرة أخرى إلى بلادهم حين علموا بإصرار "بيبرس" المرعب على القدوم إلى الحج .!!
وكانت لديهم فكرة مسبقة أن "بيبرس" لا يهزم له جيش ولم تسقط له راية ، لذلك كان قرارهم فرارهم ..!!
ولما وصل السلطان "بيبرس" الى الحج لم يعلن للناس عن قدومه ، وقرر أن يكون مثل غيره من الحجاج .
وقف السلطان "بيبرس" يغسل ملابسه فرمى له الحجاج ملابسهم يغسلها لهم أو يبللها لهم من الحر ، وما رد واحد منهم .
ووقف على باب الكعبة شرفها الله وكان بابها مرتفع عن الأرض كثيرا ، فكان يأخذ بيد الحجاج للدخول ، حتى ان أحدهم تعلق بملابس إحرامه فسقطت منه ، وما غضب وما تغير بل أكمل ما كان يفعل .
وأعطى رجاله أموال كثيرة وقال لهم : لا تخبروا الحجاج أنها مني ، أريدها بيني وبين الله .
وكانت الصدقات ونفقات رحلة الحج من ماله الخاص وليس من أموال الشعب .
ليس هذا فحسب بل أصر السلطان "بيبرس" أن نفقات كل فرقة الجيش المرافقة له تكون من ماله الخاص ..!!
رحم الله السلطان "بيبرس" المرعب للعدو ، الرحيم برعيته ، الذي كان عنده إصرار كبير على تكفير ذنوبه بكل السبل ..
نسأل الله أن يعطيه ما سأل ، وأن يغفر له ويرحمه هو والبطل "قطز" رحمه الله وتقبلهم في الصالحين .
المصدر :
- كتاب الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر..